معهد الفنون الجميلة: الفن رسالة إنسانيَّة مغيَّبة

ريبورتاج 2021/04/04
...

   فجر محمد
تماثيل ومنحوتات افترشت ارضيته، وتوزعت بين زواياه، لتروي قصصاً وحكايات عن صرح علمي فني وثقافي، لم يتوقف عطاؤه يوماً رغم الاهمال الذي يكسو كل ركن من اركانه في الوقت الحاضر، انه معهد الفنون الجميلة بجانب الرصافة.

كان مدخل المعهد يعج بالطلبة الذين كانوا يستعدون لأداء امتحاناتهم الفصلية، واصوات نقاشاتهم تعلو تارة ثم تخفت تارة اخرى، وبينما هو يتجول في الاروقة والقاعات الدراسية ويشرف على الاختبارات، يبين مدير المعهد سعد البدراني ان مرفقه العلمي يعاني من الاهمال الذي بدأ منذ فترات طويلة وليس وليد اليوم، ولم يخف البدراني كيف اثرت جائحة كورونا في التعليم بالمعهد، خصوصا ان الدراسة الفنية تحتاج الى تواصل مباشر مع الطالب، وهذا ما تم عن طريق وسائل التعليم الالكتروني "الكلاس رووم".
 
محطات مشرقة
 داخل احدى القاعات الدراسية، كان يهم رئيس فرع الاخراج المسرحي والتدريسي والباحث بالشؤون الفنية في المعهد الدكتور عبد الرحمن التميمي بالاسراع للالتحاق بطلبته، ويستذكر في الوقت نفسه المحطات المشرقة في تاريخ معهد الفنون الجميلة، بدءا من تأسيسه في ثلاثينيات القرن الماضي وصولا الى يومنا هذا بحسرة واضحة في صوته، وبحسب قوله فان: "معهد الفنون الجميلة الام في العراق تأسس عام 1936 ابان الحكم الملكي، اذ كان الشريف محيي الدين محبا للفن آنذاك، لذلك هو من وضع اللبنات الاساسية لهذا المشروع"، ويستحضر التميمي شريط ذكرياته ويتجول في دهاليزها، ليتحدث عن الكنوز الفنية المتمثلة بالفنانين الذين درسوا في المعهد، قائلاً: "لم يتوقف عطاء الفنون الجميلة، حتى في احلك الظروف، فكم من خريج وجد مستقبلا زاهرا واكمل مشواره الفني داخل وخارج البلاد، كما انه من الجدير بالذكر أن العديد من اساتذة الفنون الجميلة كانت اطروحاتهم ودراساتهم النظرية في وقت سابق، مرجعا مهما للدراسات الشرقية والاوروبية على حد سواء، ومنهم الاستاذ هاشم خطاط الذي رأى قسم الزخرفة النور على يديه آنذاك".
 
غياب الخصوصيَّة
وتجدر الاشارة الى انه بعد عام 2003 وضعت ركيزة معهد الفنون الجميلة بجانب الرصافة واتيحت الفرصة للطلبة للالتحاق به، ولكن يكاد يجمع اساتذة وتدريسيو المعهد على غياب الخصوصية، فالمخاطبات الادارية من قبل وزارة التربية دمجته مع مديرياتها ولم تأخذه بنظر الاعتبار كصرح علمي مهم.
 
بحث واستكشاف
لان دراسة الفنون لها قيمة ثقافية وفنية مهمة، وتحتاج الى أن يتمتع طلابها بميزة البحث والاطلاع على كل ما هو جديد، لذلك فالمناهج العلمية لن تكون هي الركيزة الاساسية لبنائهم وتطويرهم، هذا ما اوضحه مدير المعهد سعد البدراني، متابعا القول: "لم تكن الدراسات النظرية في معاهد الفنون الجميلة يوماً هي العماد الرئيس لتخريج الطلبة ومنحهم مهارات فنية متعددة، بل رغبة الطالب بتطوير ذاته والتعرف على كل ما هو جديد  في الفنون المتنوعة، وهذا ما غاب عن اذهان معظم الطلبة وتوجهاتهم في الاعوام المنصرمة".
 
مسرح ولكن؟
احد اقسام المعهد يختص بالمسرح، ذلك المجال الذي اصبح في هذه الفترة يعاني من الكساد وغياب الرسائل الانسانية في مضامينه المختلفة، الفنانة لمياء بدن رغم اتشاحها بالسواد وملامح الحداد التي غزت وجهها، الا انها تحدثت عن المسرح العراقي في الفترات المنصرمة واصفة اياه بانه  لم يكن محط اقبال وانظار الفئات النخبوية في المجتمع وحسب، بل كان متنفسا للاسر العراقية، اما اليوم فالمسرحيات التجارية غزت الشارع محاولة استقطاب الشباب، الا ان بدن لم تخف الجهود المبذولة من اجل استعادة ألق وهيبة المسرح العراقي، لاسيما الجاد واعادته الى الصدارة من جديد.
 
جوائز وإنجازات
الدكتور عبد الرحمن التميمي بدا متفائلا، ووصف المسرحيات العراقية رغم الظروف العصيبة بالمتألقة، والقادرة على سحب البساط من نظيراتها العربيات خلال المهرجانات والمحافل الفنية العالمية، لتحصد اهم الجوائز على صعيد الحوار والاخراج والسيناريو، اما بما يخص المسرح المحلي فقد كانت هناك محاولات لاستعادته لولا تدخل جائحة كورونا وتعطيلها الكثير من النشاطات، ومن المنتظر اكمال الخطة بعد التخلص من الوباء.
 
التصميم الطباعي
رئيس قسم التصميم في المعهد فائز حاتم جاسم تحدث عن التنوع الذي يتمتع به هذا القسم، فضلا عن اهميته الكبيرة وعلى وجه الخصوص التصميم الطباعي الذي يدخل في طباعة الصحف والمجلات والبوسترات، قائلا: "اخذ هذا التخصص حيزا كبيرا في برامج الكومبيوتر، وزاد عدد الشغوفين بهذا العلم ما دفعهم الى تطويره اكثر، بل اخذت مواقع التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا على عاتقها ابرازه والاهتمام به"، ووفقا لرئيس القسم فان التصميم لم يقتصر على ما ذكر سابقا، بل كان هناك فرع يختص بالازياء والاقمشة ولكنه غير مفعل اليوم لغياب العنصر النسوي، في حين يحتل هذا التخصص الصدارة اليوم في دول عربية واجنبية ويكاد يكون عالما خاصا بذاته، لذلك من الضروري اعادة العمل به.
 
السينما العراقيَّة
لم تغب السينما والفنون السمعية والمرئية عن اقسام المعهد، خاصة انها صناعة مهمة جدا تحتاج الى دعم واسناد، وهذا ما لم تجده السينما المحلية فهي تصارع لوحدها من اجل أن تقف على قدميها من جديد.
التدريسي في معهد الفنون الجميلة هادي النجار لفت الى قضية مهمة جدا الا وهي غياب التمويل عن السينما الذي ادى الى شل حركتها بعد أن كانت تتمتع بالريادة في فترات ماضية، وتحتاج الى جهد كبير لاعادة الحياة لها.
 
أميَّة فنيَّة
في غرف صغيرة ومغلقة اصبح انتاج الافلام الضخمة والمتميزة بسيناريوهات وممثلين مهمين متاحا بفضل التكنولوجيا والتقنيات الحديثة، هذا ما لفت اليه التدريسي فاضل صدام وتابع قائلا: "لكي نصنع فنانا متميزا لا بد أن نوفر له كل ما يحتاجه من تقنيات ومعدات تصويرية ومونتاجية، فضلا عن ضرورة توفير مناهج حديثة مواكبة للتطور والتقنيات، عوضا عن تلك التقليدية التي عفا عليها الزمان، وان كل هذه الظروف ولدت بحسب وصف التدريسي فاضل أميَّة فنية".
 
وسائل ايضاح
الطالبة زهراء احمد اشارت الى انه على الرغم من الجهد الذي يبذله اساتذة المعهد لايصال الرسالة التعليمية للطلبة، الا ان غياب الوسائل الايضاحية يقف عائقا امام التقدم الفني والعلمي، وهناك حاجة لأكثر من مسرح داخل المعهد، لكي تؤدي  وزملاؤها من بقية الاقسام عروضهم الفنية بسلاسة اكثر ولا يتزاحمون على مكان العرض.
 
تطوير الذات
لم يلق الطالب والفنان حيدر رحيم باللائمة على الظروف وغياب التقنيات في تطور اقرانه من الطلبة، بل حملهم مسؤولية البحث والدراسة والاطلاع اكثر، فعلى الرغم من غياب الكثير من الاجهزة ذات التقنيات العالية، الا ان تطوير الذات في ظل عصر التكنولوجيا المتسارع اصبح متاحا، ولكنه في الوقت ذاته حمل الجهات المختصة المسؤولية ايضا في ايجاد مؤسسات لاحتضان الخريجين الفنانين وفسح المجال امامهم ليتطوروا اكثر".
 
تنمية المواهب
هناك الكثير من الطلبة الذين يتمتعون بمواهب فنية، منها غنائية واخرى مسرحية، فضلا عن تخصصات اخرى لا بد من تنميتها والاهتمام بها اكثر، هذا ما اوضحه الطالب صفاء جواد، مبينا ان تخصصاتهم الفنية تحتاج الى الادوات الحديثة ذات التقنيات العالية الجودة، وهي غير مكلفة لكنها بالتأكيد ستحدث نقلة نوعية في مستوى الطلبة العلمي وتنمي مهاراتهم ومواهبهم اكثر.
 
عالم الموسيقى
نوتات موسيقية والحان ومقامات غنائية منها، ما هو حديث والاخر تراثي تردد صداها في اركان المعهد، وتحدث عنها رئيس قسم الموسيقى هشام فريد قائلا: "لطالما احتلت الموسيقى العراقية دورا بارزا ومهما، وخاصة المقامات وتميزت بين نظيراتها العربية والعالمية، وعلى الرغم من التنوع والحداثة اللذين رافقاها الا ان الحنين للفن الاصيل ما زال يجذب المتابعين ويسعدهم".
وبما يخص المتقدمين لهذا المجال فلابد أن يتمتعوا بمزايا متنوعة، منها الذاكرة الايقاعية والموسيقية فضلا عن الموهبة.
 وبصوت هشام فريد الشجي وعلى ايقاع اغنية "يردلي" الموصلية ختمنا رحلتنا داخل اروقة المعهد، وبابتسامة امل رسمها على محياه، متمنيا عودة الفن العراقي الهادف لمكانته الحقيقية و لمتذوقيه ومتابعيه من جديد.