في مناداة الموت

ثقافة 2021/04/06
...

  حبيب السامر
 
خيط رفيع يفصل بين الحزن والفرح، بين أن نفتح عيوننا مبتشرة وأخرى بإغماضة دامعة، تلك هي الحياة نسغ صاعد بجمالياته وآخر يتهادى نازلاً بالألم، كما الدلو يصعد بماء حلو ويهبط الى قاع البئر فارغا..كتب العديد من الشعراء عن الحياة والموت، وهناك من لخص تداعياته في مناداة الموت، حرصنا على أخذ نماذج منتقاة من شعراء تعاملوا مع مفردة الغياب، الرحيل، الموت. 
إذ يسحبنا الشاعر مريد البرغوثي بتنويعاته عن الموت في قصيدته (إلى أين تذهب في مثل ليل كهذا..) الى محاكاة الموت وكأنه أحد أفراد أسرته، يخاطبه بألفة كبيرة، وكأنه الطريق ويردف قائلاً: أم أنك قاطع هذا الطريق؟، (إلى أين تذهب في مثل ليل كهذا.../ تدفأ ونم جيدا أيها الموت حتى نواصل أثناء نومك أشغالنا.../ أكاد أصيح: تعرّف إلى غيرنا أيها الموت.).وحين قرأ الشاعر كاظم الحجاج قصيدته (البصراويّون) في مهرجان المربد الشعري 11 / عام 2014.. توقفنا كثيراً أمام المقطع الأخير منها، حين انتبه إليه من كان في القاعة أو خارجها... حتى وصل ببعض أدبائنا الى إطراقة الرأس.. ربما لتذكرنا بمن فقدناهم لحظتها، وكأننا أدمنا الفقد، وتكرار استذكار الغياب المتجدد، ورحيل مستمر في غفلة من حياة غير آبهة بالحياة..
(لماذا أنقصتم عددنا أَمام هؤلاء / ونحن أقلّية أصلاً ؟!)
بهذه الجملة القصيرة، أنهى الحجاج قصيدته، بعد أن استعرض الشاعر قائمة طويلة من أسماء لامعة، غائبة، عن الثقافة العراقية، لكنها حاضرة، لم تغب إبداعا وحضورا بارقا في وسطنا الثقافي، يناديهم بلوعة الغياب وهول صدمة ضياعهم من أيدينا، وفراقهم الأبدي.   
نحاول أن ندرك خفقة هذا القلب المسكين، وهو يعاني من خسارات يومية، إذ لا وقت يليق بالموت، كل الوقت متاح أمام آفته الفاتكة، فهو يختطف الأحباب، كما الوردة العاطرة من بستان الجمال، ما حجم اللوعة والصدمة حين تلقى الشاعر نزار قباني سهام النار بفقد ولده توفيق؟
(أتوفيق.. لو كان للموت طفل/ لأدرك ما هو موت البنين.. / ولو كان للموت عقل.. / سألناه كيف يفسر موت البلابل والياسمين/ ولو كان للموت قلب.. / تردد في ذبح أولادنا الطيبين).
فعلا، للموت لوعة الفقد وهو يستل من بيننا من نحب، ونعيش معه، كم هي حرقة قلب الشاعر وهو يسطّر كلماته في نعي من يغادرنا فجأة، هذا الغور العميق في مناداة الموت، يخاطبه هل للموت طفل، عقل، قلب.. ما أوجع قلبك وأنت تلمح زهرتك تذبل ويصيبها الجفاف!في هذا الصدد، ومع تفنن الموت في سرقة أحبابنا، دعونا قليلا أن نتمسك ببعضنا، ندع الغيرة القاتلة والــ (أنا) المتورمة، لننظر الى عمر الحياة مقارنة بعمرها الممتد لآلاف السنين، نجدنا قطرة صغيرة في عوالم السنوات المقضومة والمعيشة، هل نستحق أن نعيشها من دون راحة بال أو صراعات فارغة، نعم، التنافس مطلوب، لكننا في الوقت نفسه نرى، ونسمع، كم من الألفاظ والمؤامرات الخفية تحاك في ظلمة الوقت؟.كثُرت النوافذ وتعددت وسائل النشر، وما أسهل الطبع في الآونة الأخيرة، من هنا علينا أن نبحث عن الطريقة المناسبة في إيصال منجزنا الإبداعي من دون المساس بشخصنة هذا الأديب أو ذاك الكاتب، ونترك القول، الحكم للنقد الجاد في تقييم مسارات النص المنجز.لو عدنا قليلا الى النص القصير جدا للشاعر الحجاج (ونحن أقلية أصلاً) هنا يدخل في باب العدد مقارنة في الحجم السكاني الهائل والمتنامي مع مرور الزمن.. لو تأملناه –النص- لوجدنا أنفسنا قطرة مقارنة بالبحر، يخاطب النخبة القليلة، لذا علينا أن نمسد جسور الحب بدعامات ملونة.. ونحرص على الاحتفاء بالجمال، ونتشارك في كلمات المحبة التي هي أساس البهجة في العمل الإبداعي، ومصدر تجديده الدائم.