عناوين جديدة ودور نشر كبيرة تستقطب القارئ العراقي
ثقافة
2019/02/09
+A
-A
بغداد/ فريق العمل تصوير : رغيب اموري
تأبى بغداد الا ان تكون متميزة وحاضرة بقوة في المشهد الثقافي العربي، يبدو انه قدرها الذي لا مناص منه، في اليوم الثالث من معرضها الدولي للكتاب الذي امتلأت اروقته بالزائرين والمفترشين الارض في بعض فسحه لقراءة كتاب او لقاء صديق او استراحة تعقبها جولات اخرى للبحث عن ضالتهم، علت وجوه البعض منهم دهشة، وقفت عندها جريدة» الصباح»، وهي ترصد انطباعات اصحاب دور النشر، الذين سرنا بعضهم بانه ومن مبيعات يومين فقط عوض ايجار مكانه في المعرض، بينما تكلم اخر يشارك للمرة الاولى، بانه لم يك يتوقع مثل هذا الزخم والكم الهائل من المشاركين والعناوين الجديدة المطروحة للقارئ العراقي الذي اعتبره الاكثر اقتناءً للكتب قياسا بمعارض اخرى عربية ومحلية. تجولت «الصباح» في المعرض لترصد وتتابع برامجه المتنوعة ما بين ندوة فكرية او اقتصادية وحفل توقيع كتاب وامسية شعرية او عمل فني تركيبي يتوسط فضاءه مثل نقطة تلاقي لزواره الذين تجمهروا عنده وجلسوا حوله.. هو معرض بغداد الدولي للكتاب ، فالكتاب اكثر من حياة، وهذه بعض من حياة البغداديين.
دورة متميزة
الشاعر جمال هاشم، عد هذه الدورة بالمتميزة، وذلك لكثرة دور النشر والمشاركة العربية والعالمية، فضلا عن مؤسسات ودور نشر محلية، كما ان تنوع العناوين لاسماء مهمة في الساحة الثقافية والادبية، اعطى اضافة قوية للمعرض، خصوصا الكتب المترجمة والروايات الحديثة والكتب الفلسفية، ولا أود ان انسى اهمية الحوارات والندوات التي تقام على هامش معرض الكتاب التي تعطي رؤية واسعة، لما يقدمه الكاتب وكتابه للقراء، مختتما حديثه بتقديم الشكر لكل من دعم وساند المعرض من مؤسسات حكومية وعاملين وداعمين، اذ بانت لمسات النجاح من اليوم الاول لافتتاحه.
ظاهرة ثقافية
فيما بين الاكاديمي د. علي المرهج، ان معرض الكتاب المقام في بغداد العام الماضي وهذه السنة يعد نشاطا ممتازا وظاهرة ثقافية ناجحة بشكل عام، وهي ليست فقط لشراء الكتاب بقدر ماهي دعوة الى الحوار الثقافي والتواصل المعرفي بين العراقيين انفسهم وبين المثقفين الضيوف القادمين من الدول العربية والعالمية من كتاب ودور النشر، مشيرا الى ان الندوات والجلسات التي اقيمت في اليومين الاول والثاني كانت ممتازة، والحضور الذي يؤكد بأن العراقيين هم اصحاب ثقافة معرفية وعلمية، لافتا الى انه اقتنى مجموعة من الكتب الفلسفية، فضلا عن شراء مجموعة من الكتب المتنوعة الاخرى، واهمها كتاب: ثورة بلا قيادات، وفن الحياة، مجموعة كتابات لهايكدر الفيلسوف الالماني.
حفل توقيع
كما تابعت»الصباح» عددا من حفلات توقيع الكتب، الاولى مجموعة قصصية للروائية ميسلون هادي بعنوان» سيارة مكشوفة في يوم مشمس»، التي صرحت لـ» الصباح» : انها تمتلك وفاء وحنينا وشغفا في كتابة القصة القصيرة بشكل دائمي، مما جعلها لم تهجر كتابة القصة القصيرة لتتجه الى كتابة عنوان اخر، مبينة انها اعتادت في كل فترة ان تكتب القصص القصيرة وتجمعها في رواية، وان « سيارة مكشوفة في يوم مشمس» تعد المجموعة العاشرة من بين مجاميعها القصصية بعد صدور: « الشخص الثالث، والفراشة، واشياء لم تحدث، والليالي الهادية، ورومانس»وغيرها.. موضحة ان مجموعتها هذه تتضمن 25 قصة قصيرة، وكتبت باسلوب ونوع قريب للفنتازيا.
فيما كشف د. نجم عبدالله كاظم، ان كتابه» جماليات الرواية العراقية» يضم مجموعة دراسات، تدور جميعها عن الرواية العراقية، والكتاب يتوزع بين أربعة فصول، الاول ضم واقع الرواية في نهاية القرن الماضي وبداية القرن الجديد وظواهرها واتجاهاتها، والقسم الثاني بحث في جماليات الشخصية الروائية وجماليات الحوار، اما الثالث كان مقارنة بين الكافكا والكافكوية في الرواية العراقية، وفي محيي الدين زنكنة بشكل خاص، فيما ضم الفصل الاخير والرابع، الروايات العراقية الخمسة التي تم الاشتغال عليها، واولها صدرت في ثمانينيات القرن الماضي، واخرها قبل سنوات قليلة.
كما احتضن جناح دار الشؤون الثقافية في وزارة الثقافة، حفل توقيع المجموعة الشعرية «كتاب الظلال» للشاعر حسن عبد راضي ، بحضور العديد من الادباء والمثقفين والإعلاميين.
وتحدث الناقد علي حسن الفواز عن تجربة الشاعر المحتفى به، قائلا: حسن عبد راضي في كتابه الشعري الجديد « كتاب الظلال» يحاول أن يقدم لنا صورة جديدة للذات الشعرية للكاتب، هذا الكتاب هو تتويج لتجربة جديدة شعرية امتدت لأكثر من ربع قرن، حاول ان يقدم لنا توصيفا لذات الكاتب، حاول ان يقدم لنا استهلالا يعرف فيه مصير الشعر، وليس مصير الشاعر. وتناول الفواز عبر ورقته النقدية مصير القصيدة، وكيف أنه الآن أصبح مهددا باللقب، لذلك تخلت صورة الشاعر عن المجد والخضور من أجل ان تحضر القصيدة عارية أو ان يحضر ضمن القصيدة.
الرواية والعنف الأهلي
وضمن نشاطات المعرض المتنوعة أقيمت مساء ندوة بعنوان « الرواية والعنف الأهلي» للدكتور عبد الله إبراهيم، والروائي أحمد سعداوي، للحديث عن العنف في المرويات القديمة ثم في الرواية الحديثة وأشكاله، في قاعة معرض الكتاب الكبرى، بحضور نخبة من الادباء والمثقفين والإعلاميين والمهتمين من عشاق الروايات.
وتحدث الدكتور عبد الله إبراهيم في بداية حدثه قائلا: من المفارقة ان يتحدث المرء عن العنف في مدينة السلام، انظروا إلى هذه الثنائية المتضادة تنعقد ندوة عن العنف في دار السلام ، ولن يكون عقد هذه الندوة خاطرة بريئة أنما هي مقصودة أن يثار موضوع العنف في بغداد، والغاية من ذلك رفض العنف وعدم قبوله.
وتناول الدكتور العديد من الروايات التي احتضنت العنف بوصفها ايقونات السرد في قضية العنف الأهلي، مثل رواية «الساعة الخامسة والعشرين»، وكذلك روايات نجيب محفوظ، واحتكار الابوية في العنف في رواية «أولاد حارتنا» وغيرها، ثم توقف عن رواية « فرانكشتاين في بغداد» تختزن العنف وتتلاعب به.
أما الروائي أحمد سعداوي فقد تحدث عن العنف، وتساءل قائلا: ما هو العنف الذي نتحدث عنه، وكيف نمارسه، وعن الروائي والكاتب الذي يعيش العنف أو في فترة والعنف ويحاول نقلها بكتاباته، وهل يجوز ذلك أم لا؟، وركز أيضا على عبارة ألياس خوري (كيف نكتب عن الموت ونحن نموت؟) وتأثير هذه العبارة بداخله، وضرورة تأخر الكتابة لحين الانتهاء من العنف للابتعاد من وطأة الانفعال والاضطراب، ولكن سعداوي قد سأل نفسه: ماذا لو استمر العنف لعشرين سنة؟، أم أكثر، هل سأتوقف عن الكتابة لمدة عشرين سنة حتى ينتهي العنف، حتى بعدها يحدث الفاصل النفسي، ومن ثم ابدأ بالكتابة عن ذلك العنف وأنا بكامل الارتياح؟، ماذا لو أن هذا المبدأ سيقضي على مشروعي الكتابي؟ لهذا اكتشفت أن المسألة نفسية، وليست موضوعا عاماً، وقدرة الكاتب في أن يخلق المزاج والفاصل النفسي بين العنف أو الكتابة.
زاهي وهبي
في السادسة مساء، شهدت القاعة الكبرى الخاصة بمعرض الكتاب أمسية شعرية للشاعر زاهي وهبي، بحضور كبير من جمهور المعرض.
الامسية التي كانت بإدارة جمانة ممتاز، قرأ فيها وهبي العديد من قصائده، افتتحها بقصيدة جاء فيها: « دع وردتك هنا وأمض غريبا يحبه الرماد/ وأمض غريبا يحب الفقراء/ يا الله/ كيف تصلح الوردة ذاتها للحب والجنائز، للحياة والردى/ لميلاد الجلادين وأضرحة الشهداء».
ثم تحدث الشاعر عن الجنوب قبل المشاركة بقصيدة « في الجنوب» قائلا: من جنوب لبنان، ولكن لكل جنوب، كما تعلمون في هذا الكوكب كل جنوب، هو جنوب إلى حد ما معذب أو مظلوم، أو فقير أو يعاني ما يعانيه: « في الجنوب تستلقي الشمس على الجباه/ يطلع الصباح من مناديل الامهات/ في الجنوب ينزوي الموت خائبا/ وتنتصر اساطير الحياة/ في الجنوب رائحة انبياء/ تراب تنحني لعناقه السماء/ في الجنوب اصدق ما كتب العرب/ ابجدية نصر بدماء الشهداء/في الجنوب يجوز التيمم بالتراب حتى وأن حضر الماء».
عمل تركيبي
على هامش معرض بغداد الدولي للكتاب اقيم عمل فني تركيبي ضخم اشبه بالنصب وضع وسط مساحة كبيرة بين اروقة المعرض، وهو عمل للفنان التشكيلي ستار نعمة، اذ نفذه بخامات مختلفة كانت الكتب من
بينها.
اكتظت قاعة العرض بعدد كبير من زوار وعشاق الفنون الحديثة والمعاصرة، حيث ابدوا اهتمامهم الكبير بهذا العمل وقاموا بالتقاط الصور معه، وهذه غاية الفنان التي راهن عليها، اذ نفذ هذا العمل التركيبي وأراد من الجمهور التفاعل معه ليكون له قيمة تفاعلية وجمالية تجعل المتلقي يتحدث مع العمل ويدور حوله ليشاهده من كل الزوايا.
العمل عبارة عن ستة اشخاص بالحجم الطبيعي، مغلفة اجسادهم بورق الكتب، اتخذت رؤوسهم شكل مكعب فيه مرآة، يقفون على اكوام من الكتب الحقيقية ويشكلون دائرة يصل قطرها الى خمسة امتار تقريبا.. هذه المرايا التي في رؤوس المنحوتات جعلت المتلقي يحاول ان يشاهد وجهه ليكون هو شكل التمثال وبذلك يدخل الى باطن العمل ليتيه بالفكرة التي ارادها الفنان ستار نعمة ان
تتحقق.
فقد اشتغل هذا الفنان على فن التركيب كونه فن معاصر ينفع في مثل هذه المناسبات التي يتواجد فيها جمهور كبير ونوعي. واضاف، لقد احب الجمهور الفكرة وانسجم معها تماما وهذا بالتاكيد يعود الى التطور الفكري للمجتمع، فقد شهدت الفترة الاخيرة امواجا من الفنون والابتكارات تلاحق احداها الاخرى، محملة بالمزيد من الرؤى البصرية الجمالية غير المألوفة، اذ انتشرت الافكار والتبادل الثقافي بين شرائح المجتمعات في كل انحاء العالم، سواء عبر وسائل الاعلام او التواصل الاجتماعي او الكتب وغيرها، مما سهل التواصل والانفتاح على تجارب مهمة غزت العالم واضافت على الحياة احساس ممتع ممتلئ
بالجمال.
لو نظرنا الى الخامة التي استخدمها الفنان ستار نعمة في عمله التركيبي هذا بالتحديد كعامل وسيط يتيح له ممارسة قدرته على التشكيل أو التعبير سواء كانت هذه المادة فيها زمنية او انها تنتهي بعد فترة العرض، المهم ان يكون الفنان طوعها ونجح بتشكيلها لتصبح تحفة فنية ذات أبعاد ثلاثية، تفاجأ الجمهور الذي طالما مرّ على هذه الخامة دون التفكير بهذه الصورة التي تحولت له عن طريق الفنان، اذ يسجل من خلال تطويعها انتصارا على ما موجود حوله من خامات مهملة احيانا ليثبت قدرته الابداعية بتشكيلها وتحقق لديه متعة ذاتية لا يمكن
وصفها.
تتطّلب تجربة الفنان نعمة البحث في ضرورة الخوض بالكتلة وما تحمله من معان ومفاهيم جديدة متخفية وراء التكوينات، فقد اوجز تكاملا وظيفيا بين الشّكل والمضمون في أسلوب جميل حذق لا يخلو من الابداع، ولينفتح على ابعاد جديدة تهدف للجمالية الخالصة وليكون بذلك صاحب تجربة منفردة عن غيرها في هذا العرض تحديدا ولتكون بمثابة موقف فني يوثق بين المواد والافكار.