ترانيمُ جنائزية ٌلصباح ٍحزينٍ

ثقافة 2019/02/09
...

عبد الكريم حسن مراد
 
 
على ايقاع الزمن الآتي المحمل بكل اشكال الهلع، والخوف الانساني يغرق السكون بصراعات وانقلابات، هنا وهناك يكون ضحية كل ذلك هو الانسان، لأنه سيكون الاداة لقتل الآخر. الغرض منه بقاء الساسة في السلطة، لذا لا نجد بارقة أمل، فبدلا من ان يكون هناك سلام دائم، وحضور الوئام بين الناس يكون هناك قتل والغاء الآخر، لذا خلقت المنافي والهجرة الجماعية، ليكون الملاذ الآمن للخلاص، فمدن الله ما عادت آمنة بوجود قوى شريرة اتخذت الدين غطاء لتمرير مخططات قتل الآخر وتهميشه نهائيا بغية السيطرة عليه وتحويله الى اداة،  لحرق كل ما حوله، صور مؤلمة وموجعة تقشعر له(لاجساد رسمها لنا الكاتب كاظم السعيدي من خلال شخوص قصصه المعنونة/ تقاسيم عباءة/ والتي تراوحت بقصصها الثماني والعشرين ، ما بين صور مؤلمة جسد فيها ابطال تلك القصص، واخرى جميلة فيها التفاؤل. وكذلك صور فيها من المفارقة، التي كانت تصدم القارئ، الذي كان يقرأ سطور تلك القصص..ففي / تقاسيم عباءة / رسم لنا محنة الانسان المعوز، الذي تضطره الظروف لأن يقتحم الشارع في الوقت العصيب،  غيرالآمن  من اجل الحصول على المال .لسد رمق اولئك الجياع، كما هي بطلة القصة، التي كانت تبيع ورق (الأكلينكس) وسط الشارع الملغوم،  تحت فيض حرارة لا تحتمل، في مخيلتها صور لأبنائها المنتظرين بترقب عودة الأم لجلب الطعام، والتي راحت تتراقص في افق فضائها المحمل بالبارود، الذي أتى نتيجة انفجار قوي مزق سكون المكان، وحمل جسد المرأة، لتستقر على مقربة من رصيف صبغ باللون الأحمر من دم الضحية، والى جانبها كيس ورقي يحوي ( سندويشات) اغرقت بالدم لترسم صورة الفجيعة لحلم كاد يتحقق بسد جوع الأبناء. لولا ذلك الدو، لقد رسم لنا الكاتب لوحة انسانية مؤلمة في (تقاسيم عباءة) وكذلك في بقية القصص  للمجموعة، التي حملت عناوين مختلفة مثل../ بطاقة الحافلة، والتي فيها لعبة المفارقة، وكذلك في قصص القائد/ الرهان/ السلم / المعجزة/ الغريق / متاهة الطريق، وعناوين اخرى..لقد استخدم الكاتب في كتابته  مدرسة التحليل النفسي في التشخيص، والغوص في اعماق الشخصيات..التي كان معظمها مأزوماً وقلقاً ، ومن خلال لغة فيها من العمق الانساني، 
لقد اجاد الكاتب كاظم السعيدي في هذه المجموعة ادارة الخيط السردي بكل مفاصلها، في معظم القصص، التي تراوحت ما بين اللغة الشعرية المحلقة والتقريرية المباشرة والحكائية، التي اعطت الطابع الشعبي لبعض قصص الف ليلة وليلة، وكذلك هيمنت صور الصحراء والبداوة في قصصه الأخرى، وهناك متشابهات من حيث الثيمة الا ان احداثها تختلف الا /كارين / فهي القصة الجميلة التي كان لها حضور مميز في هذه المجموعة، لحداثة موضوعها وجمالية صور شخصياتها وروحيتها، التي تشكلت في لوحات جميلة رسمها بريشة فنان متمرس في لعبة الألوان، يقينا لقد نجح القاص/ كاظم السعيدي / في هذه المجموعة لغةً واسلوباً واحداثاً جميلة ومؤلمة في الوقت نفسه، والجميل في الكاتب انه يجيد كتابة الجملة القصصية، الطويلة، بضمائر عدة وايقاعات هادئة معاً، وهذا يعطي انطباعا يؤهله لكتابة رواية لعمق فكره السردي، لقد نجح الكاتب في هذه المجموعة،  واضاف رقماً للمشهد القصصي العراقي في عمله الابداعي هذا.