عادات وأعراف تمقتها الشريعة الإسلاميَّة ويستبيحها الآخرون

ريبورتاج 2021/04/08
...

   احمد الفرطوسي
قد تتباين العادات والتقاليد بين المجتمعات الشرقية من مجتمع إلى آخر وقد تتشابه بحسب ظروف كل مجتمع وخصائصه، وبعض تلك العادات والتقاليد  من صميم الأعمال العبادية والبعض الآخر من صميم الأغراض المعاملاتية، وقد تتفق الطقوس والأعمال مع مواثيق حقوق الإنسان وما نصت عليه الشرائع السماوية من جهة، في حين قد تختلف وتتعارض معها جملة وتفصيلا من جهة أخرى، ومن بين تلك العادات والتقاليد ما تعارفت علية العشائر العراقية في ما بينها بخصوص المرأة (الفصلية) التي تقدم كـ(ضحية) لوأد فتنة من المحتمل أن تنتهي إلى عواقب وخيمة وغير محمودة نتيجة لنزوة عاشها احد ( أبناء عشيرة ما)، أو اقترافه عملا محظورا اجتماعيا أو اخلاله بعرف عشائري أو حتى ديني، المهم وكخلاصة لما يجري في العديد من العشائر العراقية إن المرأة (الفصلية) المسكينة المأخوذ على أمرها (عنوة) ستقاد لتكون تحت وطأة رجل قد لا يكون من مستواها الاجتماعي أو الثقافي أو التعليمي أو ما شابه، أو حتى انه قد لا يكون غاية ما تتمناه ليكون(فارس أحلامها) أو الرجل الذي تستطيع الإحساس معه بالأمان والاطمئنان والسكينة وهي تعيش تحت كنفه، وببساطة يمكن اختزال كل هذه الأمور بأنه هل من الممكن اعتبار ذلك الرجل (شريك الحياة) الذي لا يتمتع بصفات (الكفء) لها لا من قريب ولا من بعيد، فهل تنسجم قضية المرأة (الفصلية) مع مواثيق حقوق الإنسان التي يدعو إليها المجتمع الدولي، لضمان حق المرأة؟ وهل تتفق مع الشريعة الإسلامية؟ وما الجذور التاريخية لهذه الظاهرة؟.   
  
حل النزاعات ولكن؟
قال الشيخ الحقوقي فيصل حسين سالم لـ"الصباح": "الفصل يعتبر بمثابة الدية، اذ تقدمه عشيرة قام احد أفرادها بالاعتداء على احد افراد العشيرة الأخرى، لوأد الفتنة وحل النزاع بين العشيرتين المتنازعتين"، واضاف "فإذا حدث نزاع بين عشيرتين يلجأ شيوخ العشيرة المعتدية إلى تقديم امرأة أو عدد من النساء، بحسب ما نص عليه عرف تلك العشيرة، لغرض الزواج، إلى اسرة العشيرة المعتدى عليها التي (قد تصل للدرجة الرابعة من المقتول) كوسيلة للتقارب وحل النزاعات"، مبينا "ان العشيرة بالطبع عندما تلجأ إلى هذا الحل فهو لغرض وأد الفتنة وحقن الدماء التي يمكن أن تسفك بين العشيرتين، ويذهب ضحيتها العشرات بينهما، فضلا عن الثأر الذي لا يرتبط الإيفاء به بسقف زمني معين مهما تقادم"، متابعا القول "مع نبل الهدف وسمو التوجه اللذين تتوخاهما العشيرة، فلا بد أن يكون لرجال الدين وشيوخ العشائر ومنظمات المجتمع المدني، إضافة إلى المواطنين رأي وموقف تجاه المرأة الفصلية، بحسب الأعراف الاجتماعية، للاستفادة منه بشكل صحيح وسليم، والا يتعارض مع إرادة الفرد سواء كان رجلا او امرأة في اختيار شريك الحياة، إضافة إلى عدم تعارضه مع تعاليم الشريعة والدين الإسلامي الحنيف".
وبين "وللإنصاف ان موضوع المرأة الفصلية فيه سلبيات وكذلك ايجابيات، ويعتمد ذلك قطعا على تقبل الزوج والزوجة لواقع الحال وإحداث قدر عالٍ من التوافق بينهما، ولمسنا من خلال التجربة بان عددا غير قليل من الأزواج نجحوا في تحقيق غاية من الانسجام والوئام بينهم، بينما اخفقت عدة حالات في تحقيق ذلك، ما خلف مشكلات لا يحمد عقباها قد تصل إلى التعزير بل وحتى إلى الطلاق".
 
صلة رحم
السيد محمد موسى مطلب الياسري قال: "تعتبر العشيرة نواة للدولة، وتعتبر أعرافها امتدادا للعادات والتقاليد العربية الأصيلة التي تستمد قوتها من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف ومن تراثه الأصيل".
مبينا "لقد توارثنا أعرافا تعتبر جزءا من تراث أجدادنا على سبيل العادات والتقاليد، اسهمت بشكل مباشر في فض النزاعات العشائرية، وتقوية الروابط الاجتماعية بين القبائل أو بين أفخاذ القبيلة الواحدة نفسها"، مشيرا إلى أن "المرأة الفصلية، واحدة من بين هذه الأعراف، التي نعتبرها قانونا عشائريا ايجابيا اسهم بشكل فاعل في وأد الفتن وحفظ الدم ومنع الثأر العشائري".
وأضاف "كما إن المرأة الفصلية من شأنها أن تخلق جوا اسرياً حميمياً وتبني أواصر العلاقة وتمد جسور الثقة بين الاسر المتقاتلة"، وتابع الياسري "وبعد أن تنجب المرأة الفصلية أولادا، تنبثق صلة رحم وعلاقات قربى حتى تصل إلى أن تصبح علاقة الاسر المتقاتلة( خال وابن أخت) وعندها تندثر حالات الثأر"، ولفت الى أن" الأمر ليس كما يتصوره البعض من حالات غصب لحرية المرأة، بل لها حق الاختيار في الشخص الذي تراه مناسبا سواء كان من بيت المقتول نفسه (مثلا) أو من احد بيوت أبناء عمومته، بغية تكافؤ الزوجين"، منوها بأن "العرف العشائري أشبه بقانون العقوبات، فيبدأ بالجرائم البسيطة حتى يصل إلى القتل بشكليه، الخطأ والعمد، وكل له ديته وفصله".
وختم "العديد من المشكلات تستغرق وقتا طويلا في المحاكم قد يصل إلى عدة سنوات، لكنها تحل بجلسة ديوان واحدة تجمع الطرفين المتنازعين في المجلس العشائري، وبقناعة الطرفين المتنازعين".
 
باطل
رجل الدين هاشم اليعقوبي أشار إلى أن "الدين الإسلامي الحنيف ممثلا بالشريعة الإسلامية السمحاء يمقت الزواج الغصب وعدم دفع الصداق ويعتبره زواجا غير شرعي، كونه يتعارض مع شروط الزواج، لغياب ركن أساس من أركان الزواج كالمهر مثلا".
وأوضح اليعقوبي "في حال إتمام الزواج بعدم رضا الطرفين وعدم دفع الصداق، يصبح العقد باطلا، وبهذا يصبح الأطفال غير شرعيين، ما يولد أسرة فاسدة"، لافتا إلى انه "في حال حدوث رضا واختيار طوعي من قبل الطرفين المزمع زواجهما وتوفر القناعات بينهما، يصبح العقد ذا صفة شرعية".
 
للرجال حصة ايضاً
مبينا أن "عددا من العشائر قد اتاحت الفرصة لـ(المرأة الفصلية)، باختيار زوجها، من بين عدد من الأزواج، بعد توفر القناعات لدى الطرفين، وتواترت على ذلك عشائر غير قليلة، وإن موضوع الفصل لا يقتصر على المرأة الفصلية فقط، بل ينسحب حتى على الرجل".
موضحا أن "عددا غير قليل من الرجال أيضا تعرضوا لحالات من الزواج الغصب، لعدم توفر القناعة الكافية من قبل الرجل بالفتاة التي ينوي الزواج منها".
وتابع اليعقوبي "كذلك عدد غير قليل من الرجال تزوجوا بنساء اكبر منهم سنا أو اصغر منهم في أحيان أخرى".
بينما أوضح المواطن ناصر حسين آل هلال لـ"الصباح" ان "والدتي امرأة فصلية منذ خمسينيات القرن الماضي، نتيجة قتل خالي لاثنين من أشقائي، فجاءت والدتي وعدد من خالاتي كفصليات لوالدي وابناء عمومتي الاقارب، وكانت احداهن من نصيب والدي". 
وأضاف "بعد مرور فترة وجيزة خاصة بعد ولادتي أنا واخواني، تجسدت بين أخوالي وأهلي علاقات  حميمة وطيبة، وأصبحت لوالدي علاقة خاصة بوالدتي تختلف عن علاقته ببقية زوجاته"، وتابع "لم اشعر يوما بان والدتي فصلية وما شابه ذلك، بل  كانت تربطني وإخواني علاقة خاصة بوالدي، ولولا حصول مثل هذا التزاوج لما انتهت الثارات بين أهلي وأخوالي حتى الآن، بل لسقط عشرات الضحايا بين الطرفين ".
 
الثأر نار
وبين "لو كان الفصل بين العشيرتين بالدية لاصبح عدد غير قليل من أبناء عمومتي وأخوالي في عداد الأموات، إضافة إلى أن الثأر بمثابة النار المستعرة في قلب المقتول التي لا تنطفئ".
وأضاف "إن الفصل لا يعطى حال الحادث، وإنما بعد إنهاء فترة الجلاء (الجلوة أو النفي إلى عشيرة أخرى) التي قد تصل إلى سبع سنوات في بعض العشائر، خاصة إذا كان الحادث قد حصل بين عشيرة واحدة".
بينما قال التدريسي والناشط المدني محمد كريم فرهود "إن المرأة الفصلية هي المرأة المسلوبة الإرادة والاختيار، وقد جعل الدين الرحمة والمودة أساسين  لكل علاقة زوجية، اذ قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز (وجعلنا بينكم مودة ورحمة)، فمن أين تأتي المودة والرحمة واللطف الإنساني لإنسانة ليس لها رأي او اختيار لمن تريد أن تقترن به من الرجال، وهذه الحالة لا تجعل العلاقة الزوجية في رحمة ومودة ومعايشة إنسانية ملؤها السعادة والفرح".
وأضاف "فإذا كانت المرأة تتقبل هذا الحال فهي مرغمة عليه وحياتها تنقلب إلى جحيم ونار مستعرة من الكره للحظة التي أوصلتها الى هذا الحال، ولقد قالت احداهن لأبيها عندما أجبرت على الزواج من رجل لا تحبه ولا تريده : (عسنك يابوي جذع للصبح داوي - للرادة ما تنطون للغصب هاوي)، فتظل هذه المرأة تندب حظها العاثر الذي أوصلها إلى هذا الحال، وتحسد كل من عاشت حياة زوجية بحسن اختيارها ورغبتها".
وتابع "واذا أنجبت، فسوف تكره حتى وليدها الذي رزقت به من هذا الرجل الذي لا ترتبط معه بحسن المعاشرة والاختيار والمودة واللطف الإنساني، وبذلك يعد هذا الزواج مخالفا لقوانين حقوق الإنسان عامة والمرأة خاصة".