أكرم الأمير

ثقافة 2019/02/09
...

حميد المختار    

" ارسم قصيدتك الاخيرة / بين عالمين / دموع امك والكفن / امك الوجه الفضي / والكفن الملطخ بالنحيب / قماط ولادتك الثانية" هذا مقطع من قصيدة للشاعر الشاب الراحل اكرم الامير في ديوانه" طيور تفضل المشي" هذا الشاعر الذي غادر عالمنا قبل ان يبدأ، لكنه ترك هذا الديوان وذكريات واصدقاء حزينين ومشاوير قصيرة ومسيرة طويلة مع المرض والمعاناة والوجع المزمن وهواجس الموت المعاشة كل يوم بحيث انها تركت مخالبها على قصائده" هربت به ولم تأخذ معك سوى النسيان / وبعض الدموع التي جفت وتماهت في البياض" خطوات تحبو الى الوجود لتتمركز وتبشر بجمال وجودها وتدون حركة قدم الانسان الذي يبغي العمار والخلود وهو مهدد بالموت والفناء، كيف ذلك، الشاعر مبدع وخالق وبالنتيجة هو خالد رغم انف الموت، ربما سيرحل جسده الترابي ويعود الى ترابيته لكن بنيان فحولة الخيال وقوة الشاعرية وهيمنة العشق هي ادواته للوصول الى خلوده، ورغم توجساته ومخاوفه واستعداده المبكر للرحيل سيظل هاجسه واحداً لا يتغير:" ففي ساعات هذا العالم / نحن الثواني / والموت عقارب / لدغة واحدة تكفي لاختصار احلامنا / لدغة واحدة تكفي لنبدأ بجمع اثامنا وننسى بين آلاف النسخ" .
هو نسخة واحدة لوجوده الغض وعمق رؤيته للعالم والمخلوقات والمرئيات والاحلام والخيالات والرؤى العملاقة في غضاضة طفولته وبكورة مفرداته وهشاشة روحه الحالمة الباحثة عن جناحين لتطير محلقة فوق سماوات العالم وقبته اللامرئية، هكذا هو اكرم الامير، صار اميراً على احلامه وتطيره من رحيله وبقاء حروفه، لهذا فان طيوره فضلت المشي بقدمين حافيتين متخلية عن اجنحتها التي عجزت عن اللحاق بومضة احلامه التي تتسابق مع ندف الثلج وقطرات المطر، ورحيل الغيم بتلك الاجنحة الشفافة.
 تماماً لقد عاش اكرم الامير عوالم شعره وسافر معها ورسمها على جدران روحه رغم وحشية المرض الخبيث الذي قطع عليه الطريق وهو قاطع طريق المعارف والوجود الانساني وعلينا ان نعد العدة لملاقاته كما لو اننا نلاقي وحشاً سماوياً وقدرياً جاء لمحاربتنا وفنائنا.
كان اكرم يصارع كل هذا صراعاً اسطورياً كالآلهة القديمة التي لا تموت وهي تجابه اقدارها ومصائرها التي رسمتها لها السماء،" اعتقد ان هذا يكفي / لقد مت وانتهى الامر" ها هو ينهي واحدة من اجمل قصائده لتنتهي بذلك حياته على هذه الارض، وليدخل هو في حياة اخرى بعيدة عن حيواتنا القصيرة الفانية،  انه شاعر برزخي بامتياز، جمع بين عالمين والكثير من الامكنة في ارتحالات لايعرفها احد غيره، لذلك علينا جميعاً حين نرى طيراً يسير فوق اشجارنا بقدمين حافيتين فلنعلم انه اكرم الامير جاء لزيارتنا والاطمئنان علينا.