د. بلاسم محمد وخطابه الفني السميولوجي

منصة 2021/04/12
...

 أ.د. عقيل مهدي يوسف 
 
مذ عرفته قبل عقود زمنية، كان منهمكاً في تداول كتب الفن التشكيلي في سوق المكتبات، بعد تخرّجه في معهد الفنون الجميلة وعمله في الصحافة (جريدة الجمهورية) وسواها، ودراسته في كلية الفنون، وحصوله على درجة الماجستير والدكتوراه، حيث أتيحت له فرصة الدراسة على محاضرات الأستاذ (د. مالك المطلبي) الذي أسهم بشكلٍ نوعي ليعرّفه على (الخطاب السميولوجي) ومنهجيته المغايرة للمألوف الأكاديمي حينها، مما قاده إلى قطيعة معرفية في تعامله مع كينونة اللوحة، المغايرة للنسق المحاكاتي التقليدي، معتمداً على فنون ما بعد الحداثة، التي أجاد تتّبعها في تدريسه ومحاضراته – ايضاً – في الجامعة الأردنية، بالتزامن مع دروسه في كلية الفنون الجميلة في بغداد، وأفاد من التقنيات الالكترونية، ووسائط الميديا ليطّلع على أحدث التجارب التشكيلية العالمية لينتج أيضاً لوحات كبيرة الحجم بإنشاء تكويني يموج بإيقاعات لونية، وأشكال تعبيريَّة في تجريد الجسد البشري بمقاربة جريئة مدهشة.
استهوى خزينه السيميائي في بعده النظري والتطبيقي، الكثير من طلبة الدراسات العليا، التي باتت رسائلهم وأطروحاتهم قائمة على بعدٍ سيميولوجي متماسك منهمكة في توظيف تقنيات الرسم واتجاهاته الجديدة والمعاصرة، مما حفزهم على اختيار مشكلات و(عيّنة) البحث وتوظيف مصطلحات تتعامل مع الأسس العامة المضمرة المتحكمة بإبداع اللوحة، واقترانها بدوال، لها مدلولات خاصة بموضوعها التواصلي. 
بات الفنان بلاسم فناناً طليعياً، يواجه متطلبات الفن المبتكر في عالمنا المعاصر وتأكيده على ما تصنعه (اللوحة) من جمال، يحيّد من خلاله البعد السياقي (الآيديولوجي) المباشر، بما يبتدعه من إنطولوجيا بصرية وتخييل إبداعي كوني، يتعالى على نثرية الواقع ليصوغ بنية داخلية وشكلاً قائماً بذاته في الفكرة والمفهوم أو في التعبيرات القصدية الحرّة، وجوهرها الشكلاني بحدسية اللامرئي، ودقّته الإيمائية، وفي ما يدّخره اللون من طاقة تعبيرية ودلالات ترميزية وجمالية.
ترك كرسيّه التشكيلي شاغراً من بعده بما قدّمه من كتب ومنها (الفن التشكيلي قراءة سيميائية في أنساق الرسم – تأويل الفراغ في الفنون الإسلامية – شغب الفن القبول والرفض) وبقيت دروسه الإبداعية الثمينة ماثلة أمام الباحثين وكذلك مساهماته في الندوات وفي إسناد أنشطة ثقافية رسمية، وسواها.
لتبقى ذكراه العطرة وآثاره مناراً لطلبته 
وجمهوره.