بعد معاناة المواطن المستمرة العمل بنظام السلف والقروض في العراق

ريبورتاج 2021/04/13
...

 علــي غنــي
يحلم كل عراقي بتسلم سلفة أو قرض من المصارف الحكومية، لاسيما اذا كان الطريق اليه يسيرا، ولا يحتاج الى تذكرة سفر طويلة الامد، ويشعر المواطن بالأمان اكثر حين تقل الفوائد، وتقل مبالغ الدفعات الشهرية، وتتقلص الايام، وينجو من فخاخ النصابين الذين يرابطون على ابواب المصارف او خلفها، لذلك قررنا أن نطرح بعض الاشكالات التي طالما تساءل عنها المواطن، منها براءة الذمة، والتوطين، ونسبة الفائدة، وتأخر الحصول على القرض، وتحذير النزاهة من النصابين، فتعالوا معنا. 
وانا في طريقي الى مصرف الرشيد، كنت افكر بالقروض والسلف التي مرت بخيالي، ومدى حاجة الناس لها، واذا بمنظر لشباب يحملون (رزم النقود) بكل تفانٍ، وينقلونها الى السيارات المخصصة لنقلها من دون أن تغريهم المبالغ المليونية، فقلت مع نفسي، والله لو كان بيدي امر الرواتب لرفعت رواتبهم الى الملايين، ولعرف العالم كله معنى اخلاص العراقي في عمله وهو يبحث عن لقمة العيش الحلال وعندما وصلت للمصرف، استقبلتني السيدة آمال الشويلي مسؤولة العلاقات والاعلام في المصرف، التي حرصت على أن تضمن لي موافقة وزارة المالية، لتتفرغ هي للاجابة.
 
من دون عراقيل
قلت لها ان العديد من المواطنين يعانون في الحصول على براءة الذمة عندما يريدون تغيير التوطين من مصرفكم، فاجابت: "بالنسبة لبراءة الذمة تمنح من قبل مصرفنا من دون اي عراقيل وللموظف حق الاختيار، اما بما يخص التعامل غير الجيد من بعض الموظفين، فاقول لك بصراحة ان ادارة المصرف الجديدة المتمثلة بالاستاذ باسم عبد علي يوسف المدير العام وجهت بضرورة حث الموظفين على التعامل الجيد ونشر ثقافة التعامل مع الزبون وكسبه، فضلا عن التأكيد على اقامة دورات وورش بهذا الصدد".
شكا لي بعض المواطنين من التأخير في معاملاتهم، فما حقيقة هذا الادعاء؟، ساجيبك بكل صراحة، المصرف حريص على انجاز المعاملات باسرع وقت ممكن، لكن ربما  يحصل تأخير، فلا نستغربه، لكون بعض الخدمات تحتاج الى مخاطبة الدوائر الاخرى ومع ذلك هناك توجيه من الادارة العليا الى اعلام المصرف بمتابعة المعاملات المتأخرة التي ترد الينا عن طريق البريد الالكتروني وصفحة الفيس بوك ووسائل الاعلام بكل مسمياتها.
اما بما يخص الاستغناء عن الكفيل، فاليوم توطين الرواتب ببطاقة النخيل ازاح هما كبيرا عن المقترضين، وغادر الكفيل من دون رجعة، ليصبح بامكان المواطن أن يحصل على السلف والقروض من دون كفيل.
ثم تابعت، وهي تحدثني عن العديد من الاشكالات التي يواجهها العمل المصرفي، ومنها  تأخر سداد بعض المقترضين والمستفيدين للاقساط، ونحن نؤكد من خلالكم (والكلام للشويلي) ضرورة تسديد المواطن للاقساط التي بذمته لان اي تأخير يترتب عليه تبعات مالية وقانونية منها  احتساب فوائد تأخيرية، لذلك ندعو المستلفين والمقترضين كافة  الى مراجعة فروع المصرف للتسديد وتفادي التبعات القانونية والفوائد التأخيرية.
 
فرق جوالة
و بخصوص سؤالك عن افتقار المواطن للمعلومات (الفولدرات التعريفية) قبل الحصول على السلفة فاقول: "بما يخص توزيع الفولدرات التي تتضمن شرحا وافيا لجميع الخدمات وكذلك النشر على صفحات التواصل ووسائل الاعلام اول بأول فهذا من صلب عملنا، بل اذهب بعيدا اذ قلت لك لدينا فرق جوالة تقوم بهذه المهمة، سواء في دوائر الدولة او غيرها".
وكيف تحتسب الفائدة في مصرفكم؟، دعني اجيبك بصراحة "يتم احتساب الفوائد بطريقة القسط الثابت والمصرف دخل منافسا بتخفيض نسبة الفائدة الى ٥٪ وهي اقل نسبة ممكن أن يأخذها المصرف بالنسبة لاغلب السلف والقروض".
وأما بخصوص سؤالك عن العمر، فان المصرف يسمح للمتقاعد الى حد سن الثمانين عاما، على الا يتجاوز هذا العمر، اطال الله باعمار العراقيين جميعا.
 
نظام مصرفي جديد
اجبرتني رحلة البحث عن السلف والقروض على أن ابحث عن اوجه المقارنة بين مصارفنا والمصارف العالمية، وامكانية تأسيس نظام جديد للقروض والسلف، والتأني باطلاق الاحكام عن المصطلحات المصرفية، واين تكمن عيوب النظام المصرفي في العراق، وكيفية استثمار الفائدة، واتباع سياسة رشيدة في التسليف، فما كان علي الا ان اذهب الى المصرفي والاقتصادي الاستاذ عبد الهادي صادق الذي افنى حياته بالعمل المصرفي، اذ قال: "ان من اهم نشاطات المصارف، توجيه مواردها ومصادر اموالها التي تمثل الودائع اهم عناصرها نحو اوجه استثمار آمنة ومتنوعة، ومن هذه الاوجه، السلف الشخصية وقروض الاسكان، وقروض شراء السيارات".
تنافس حاد
اود أن اقول لك (والكلام لعبد الهادي صادق)، "ان هناك تنافسا حادا بين المصارف عندنا لمنح القروض والسلف وخاصة بعد توطين رواتب الموظفين لديها، اذ يعطي هذا التوطين ثقة وضمانا للمصرف باسترداد اقساط السلف والقروض من الراتب مباشرة، ونظرا للاقبال الشديد من قبل الموظفين للحصول على السلف والقروض، كان على المصارف أن تضع آلية تسهل سرعة تنفيذ القرض، وايصاله للمستلف، وكلما تعقدت هذه الآلية فانها تولد عقبات وصعوبات في الحصول على السلفة، وعلى المصارف أن تلاحظ ذلك، وتتخطى الروتين في الاجراءات على الا يمس ذلك حقوق المصرف، ولو قلت لك ما العيوب التي يتصف بها التسليف بصورة عامة؟.
ساجيبك عن ابرز الاسباب وبلغة صريحة وواقعية، يتصدرها الروتين والبيروقراطية وعدم استخدام نظام فعال وسريع على الحاسبة الالكترونية وطلب ضمانات تثقل كاهل الموظف وتؤخر حصوله على السلفة او القرض المطلوب.
 
أسعار الفائدة
ما الذي يحدد نسبة الفائدة، وماذا لو اجرينا مقارنة مع المصارف العربية والاجنبية؟، اجابني المصرفي المتقاعد عبد الهادي صادق: "ان هناك عدة عوامل في تحديد نسبة الفائدة منها المنافسة ومخاطر تقلبات اسعار الفائدة، ومخاطر السوق، وكذلك الفرص البديلة للمصرف في استثمار امواله، اضافة الى الكلف الادارية التي يتحملها المصرف في تسيير اعماله، وعلى المصرف أن يأخذ كل ذلك بنظر الاعتبار، عندما يحدد سعر فائدة معقولا ومقبولا".
اما عن المقارنة مع المصارف العربية والاجنبية، فاقول لك في موضوع قياس اسعار الفائدة مع المصارف العربية والاجنبية ان العوامل التي ذكرناها آنفا هي نفسها التي تلعب دورا في تحديد نسب الفائدة مع  ذلك فان الفائدة على السلف والقروض مرتبطة ارتباطا وثيقا بالفوائد التي تدفعها المصارف على الودائع وتتناسب طرديا الى حد ما معها.
 
الاقراض والسلف
وتابع صادق "اما عن سؤالك اين يستثمر المصرف الحكومي الفائدة؟، فأنا اجزم لك ان الفوائد التي يحصل عليها المصرف تعد جزءا من ايراداته العامة، كما تشكل جزءا من مصادر اموال تضاف الى مصادر امواله الاخرى ليستثمرها المصرف في الاقراض لمختلف القطاعات التجارية والصناعية، وكذلك سلف الموظفين، ولا فرق بين المصرف الحكومي والاهلي".
 
سياسة رشيدة
مؤكدا على "ان الاموال التي يقرضها او يسلفها المصرف للموظفين وبقية فئات المجتمع هي من ودائع الجمهور، وعلى المصرف المحافظة عليها وعدم التفريط بها من خلال وضع سياسة رشيدة في التسليف والاقراض واستحصال الضمانات المطلوبة لاستردادها، وان ربط السلفة براتب الموظف هو اجراء يحفظ حقوق المصرف، وبالتالي يحافظ على اموال المودعين، كما على المواطن سواء كان موظفا او غيره أن يفكر مليا قبل اقدامه على طلب السلفة، ان كان في حاجة ماسة اليها وله القدرة على تسديدها في اوقات استحقاقها لكي لا يقع في ضائقة مالية تسبب له مشكلات هو في غنى
 عنها".
 
هيئة النزاهة تحذر
ونحن في المراحل النهائية من اعداد هذا التحقيق، لفتت انتباهنا تحذيرات دائرة التحقيقات في هيئة النزاهة من انتشار عمليات نصبٍ واحتيالٍ تمارسها شركات وهميَّةٌ بحقّ بعض الموظفين والمتقاعدين من خلال إيهامهم بمنح قروضٍ سريعة، والتي أكدت بدورها، قيامها بتنفيذ عمليات ضبطٍ لمتَّهمين بالنصب والاحتيال أقدموا على استدراج بعض الموظفين والمتقاعدين، وإيهامهم بمنح قروضٍ لا تتجاوز خمسة ملايين دينار مقابل سحب البطاقة الذكيَّة الخاصة بالدفع الالكتروني مع المستمسكات، لافتةً إلى قيام المتَّهمين بسحب مبالغ أكثر من مبلغ القرض والفائدة، مستغلين عدم معرفة الموظفين والمتقاعدين بالإجراءات الماليَّة والمصرفيَّـة.
وكشفت الدائرة إنَّ عمليات النصب والاحتيال تتم بمساعدة موظفين في شركة الدفع الالكتروني (البطاقة الذكيَّة)، مُبيّنةً قيامها بتنفيذ عملياتٍ أسفرت عن ضبط عددٍ من المُتَّهمين بممارسة تلك الأعمال غير القانونيَّة.
ودعت الهيئة المواطنين الى الحذر من تلك الممارسات التي بدأت بالانتشار في الآونة الأخيرة عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، مشدّدةً على أهمية تحصين المواطنين من تلك الأفعال غير القانونيَّة؛ بغية الحدِّ منها والكشف عن مرتكبيها عبر الاتصال بنوافذ الهيئة المنشورة على موقعها الرسميّ.
 
نظام جديد
اعتقد جازما أن حصيلة جولتي هذه مع المصارف الحكومية واهل الخبرة، قد كشفت الهوة بين الواقع الذي يعيشه المواطن والاجراءات التي تتبعها المصارف، وانا مع الذين يفكرون في اعادة النظر بمجمل عمليات النظام المصرفي في العراق، لاسيما القروض او السلف، واجراءاتها وتبسيطها الى ابعد الحدود وشمول العقود واصحاب الاجور اليومية، وساكني بيوت الرعاية الاجتماعية لان هؤلاء هم بامس الحاجة لها، مع اقتراح أن يكون الضامن لهم الحكومة، كما اتمنى أن يعاد النظر في ابنية المصارف الحكومية والاهلية، فاحيانا لا تجد مكانا لتجلس فيه، حان الوقت ليتمتع الانسان العراقي بمصارف جميلة واجراءات مصرفية تواكب التطور العالمي، وطريقة حضارية في التعامل (لا السباب او التهديد)، وبما اننا صحافة هادفة، فاننا ندعو المديرين العامين في المصارف الى مراقبة مديري الفروع، لما شخصناه من بعض  المتجاوزين، وهذا لا يمنعني أن اشيد برجال ونساء المصارف الحريصين على المال العام، والعمل في اعقد الظروف، بما فيها جائحة كورونا.