الصوم والأعراف الخاطئة!

منصة 2021/04/14
...

جواد علي كسار
 
الصوم كبقية العبادات له نصيبه من رسوبات العُرف، وهي تنال منه ومن رسالته وفلسفته بالصميم. أذكر أنَّ السيد محمد حسين فضل الله، كان في طليعة من أشار قبل نصف قرنٍ من الآن، إلى مواطن خلل العلاقة بين العبادة والعُرف، بما يميّع روح العبادة المتمثل بالطاعة والعبوديَّة والتسليم، ويحوّلها إلى عادة وتقليد وربما إلى فولكلور، فالصلاة مثلاً تتحوّل إلى عادة للجسم، والحج إلى سفر وسياحة، والزكاة والخمس والصدقة، إلى مباهاة وتنافس في التكاثر أو إلى منّة، والصوم إلى تمرين لخفض البدانة وما شابه ذلك.
ثلاث قاتلات رمى بها العُرف قلب الصوم، كممارسة عبادية وأصابه بمقتل؛ هنّ التخمة في الطعام والشراب، والكسل وقلة العمل، وهدر الوقت بالبطالة والفراغ وبالمتع، وأغلبها هابط.
إذا أخذنا الأولى فإنَّ الإحصاءات تجمع في بلاد المسلمين، أنَّ معدلات استهلاك الطعام ترتفع في شهر رمضان، إلى ثلاثة أضعاف ما هي عليه في بقية الشهور. الحقيقة أنَّ ما نفعله هو تدوير أوقات الوجبات الثلاث، فقبل شهر رمضان معتادون على الفطور والغداء والعشاء، وما يحصل في الصوم أننا نستبدل المواعيد فقط، فتكون إفطاراً وسحوراً ووجبات كُثراً بينهما!
إذا تحوّل شهر رمضان إلى موسم لمضاعفة الأطعمة والأشربة، والتنافس في لون الموائد، فكيف ستحقق مواساة الفقراء وما يمسّ الضعفاء من ضرّ وحاجة؟ ثمّ هل ينسجم هذا التفنّن الهائل في تنويع الأطعمة ومضاعفة الأشربة، مع المقصد الذي وضعه النبي صلى الله عليه وآله، في خطبته وهو يقول: «واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه، جوع يوم القيامة وعطشه»؟!
أتابع على الدوام أرقام هدر الطعام في العالم عامة وفي بلادنا خاصة، والغريب أنَّ معدلات الهدر ترتفع على نحوٍ مفزعٍ في شهر رمضان. ففي آخر تقرير أممي أن (900) مليون طن من الغذاء عبر العالم، يُرمى في النفايات سنوياً، 60 % منها مصدرها البيوت، على حين يُعاني قرابة مليار إنسان حول العالم من الجوع أو قلّة الطعام.
كان من الصعب لي أنْ أصدّق أرقام الهدر في السعودية على سبيل المثال، لولا أنَّ نسبتها جاءت إلى وزير البيئة والمياه والزراعة، فقد ذكرت الأرقام أنَّ حصة السعودية من الهدر سنوياً (8) ملايين طن، بمعدّل هدرٍ يبلغ (184) كيلو غراماً للفرد الواحد، وبمبلغ إجمالي يصل إلى (13) مليار دولار!
ليست بقية بلاد العرب والمسلمين أفضل حالاً من السعودية. وما نحتاج إليه، هو تصحيح العلاقة مع الصوم في شهر رمضان، وإعادة تأسيسها على العبوديَّة والطاعة، وتحقيق المقاصد المرجوّة منه إنسانياً واجتماعياً، على الأقلّ في أدب الطعام
والشراب!