ملتقى الزاد الروحي

منصة 2021/04/14
...

  بيداء مهدي
 
لقد جعل الله لعباده نفحات ومحطات تزويد بوقود الايمان والمعرفة، حيث تقوم هذه المحطات والنفحات الروحية بدور رفع الحجب والسحب الكثيفة التي تحول بين العبد وبين ربه جل 
وعلا. 
وشهر رمضان هو عبارة عن تلك المحطة الربانية الكبرى التي دعا الله سبحانه عباده للاستفادة منها، قبل ذهاب الفرصة وحلول الغصة. 
وهذا دليل آخر على رحمة الله بعباده ولطفه لهم، رغم قساوة قلوبهم وشقائهم وابتعادهم عن معدن الخير والفضيلة.
ولا شك إذا كانت المحطات المكانية كالمسجد الحرام وجبل عرفات والمشعر الحرام ومراقد الأئمة (ع) لها الدور المؤثر في استشعار الارتباط الوثيق بين العبد والمولى، فإن المحطات الزمانية، ومن أهمها أيام وليالي شهر رمضان هي الأخرى تكمل الدور المطلوب في هذا الصدد، حيث تفتح أبواب السماء ببونها الشاسع واللامتناهي، وتُغلق أبواب النيران الكبيرة المهلكة، لتنزل الرحمة على العباد وتتنزل الملائكة في ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر لتقدر للعباد ما يرجون ويتوخون من خير الدنيا 
والآخرة. 
إن أهم عطاء يمكن أن يستفيد منه العبد المؤمن في هذا الشهر هو ولوج باب المغفرة والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى: جاء في الدعاء: "بابك مفتوح للراغبين.."، وايضا، "إنك لا تحتجب عن خلقك إلاّ أن تحجبهم الأعمال دونك." 
فإن كل ليلة أو يوم أو ساعة من ساعات هذا الشهر الفضيل تدعونا لاستثمارها عبر الرجوع والعودة إلى الله سبحانه وطلب التوبة. 
فمع إطلالة شهر الله الفضيل يستقبل الناس هذا الشهر حسب درجة ايمانهم ومدى معرفتهم بفضائل ومكارم هذا الشهر العظيم، فبعضهم يستقبله منذ غرة شهر رجب الأصب، والبعض الاخر من الايام الأولى لشهر شعبان العظيم، وبعضهم من منتصف شعبان، بينما بعض منهم لا يستقبله، وانما يقتحم عليه شهر رمضان اقتحاماً من دون ان 
يلتفت!. 
وهكذا فإن استقبال ايام الله العظيمة ضرورة روحانية، فكل صنفٍ من الناس يتعامل مع شهر رمضان حسب قدرته على الاستيعاب والتزوّد من محطة هذا الشهر الروحية الربانية، فمنهم من لا يرى منه ومن الصيام فيه إلا الجوع والعطش وتناول السحور والفطور، فهؤلاء لا ينالون منه إلا ما كُتب لهم من جوعهم وعطشهم، ثم تذهب بركات وفضائل ونفحات أيام وليالي هذا الشهر سدى ودون رجعة، ويكون حالهم كحال ذلك الذي يصلي، ولكن من دون أن يتلذذ من زاد الخشوع في الصلاة.
ففي الرواية المأثورة، أنه جاء رجل الى رسول الله يسأله عن الخشوع في الصلاة؟ فأمره صلى الله عليه وآله وسلم أن يسبغ وضوءه، لأن الوضوء هو تمهيد للصلاة، وهو بحد ذاته بمثابة استقبال لأوامر فريضة 
الصلاة. 
وكذلك بالنسبة لأداء مناسك الحج يتوجه الحاج قبل رحيله من أهله وأصدقائه صوب بيت الله الحرام إلى تطهير أمواله، وإبراء الذمة ممن كان لهم حق عليه، ثم يشد رحال السفر بقلب طاهر ومطمئن لاستقبال شهر ذي الحجة ومناسكه الفضيلة. 
فلا بدّ أن نهيئ أنفسنا لطاعة الله في شهر الصيام عبر التواصل مع جموع الفقراء والمحتاجين ونقدم لهم خيرات الشهر المبارك، لكي نحسن استقبال ايامه تعالى بنفس محبة للخير.