كيف غيّر لينين الأدب الروسيّ

منصة 2021/04/14
...

 براد ديفيز
 ترجمة: جمال جمعة 
 
كانت الثورة الروسية موضوعًا للعديد من الروايات الاستثنائية، لكن التأثير الذي أحدثته الثورة ذاتها في الأدب غالبًا ما يتم التغاضي عنه. سعى البلاشفة إلى كبح الحريات الإبداعية في روسيا فور استيلائهم على السلطة تقريبًا، ورموا ببعض الكتاب في المنفى والبعض الآخر في معسكرات العمل، وفي النهاية غيروا مسار الأدب إلى الأبد.
القرن الذي سبق الثورة الروسية عام 1917 شهد ازدهارًا هائلاً للعبقرية الأدبية. الناقد الأدبي الروسي ـ البريطاني أشعيا برلين وصفه بأنه “مجتمع أثيني”، مع وجود حفنة من الأدباء الاستثنائيين البارعين والمبدعين (أدباء مثل تولستوي، غوغول، بوشكين، بيليه، وتشيخوف) الذين عاشوا “عصرًا ذهبيًا” استمر فترة طويلة مثل عصر أسلافهم في أثينا الكلاسيكية (فترة قرن تقريبًا).
أدى انتصار البلاشفة والحرب الأهلية إلى تحطيم هذه الثقافة الأدبية، ودفع بمعظم ممارسيها السابقين إلى منفى ملتبس. أشهر هؤلاء المواطنين المنفيين كان فلاديمير نابوكوف (الذي ستغيّر روايته لوليتا الأدب بالكامل)، وهو أحد جيل الأدباء الروس الذين جهدوا للحفاظ على أدبهم حيًا بعد أن تم انتزاعهم من روسيا ونفيهم إلى بلدان بعيدة. بعد أن فرّوا من ديارهم، مال كتّاب مثل إيفان بونين وساشا تشورني إلى الانجذاب نحو العواصم الأوروبية الشهيرة مثل باريس وبرلين، وبدرجة أقل لندن. لكنهم انتقلوا أيضًا شرقًا، لا سيما إلى الصين حيث نمت مجتمعات كبيرة للمهاجرين في مدن مثل شنغهاي 
وهاربن.
من ناحية أخرى، عاش الكتاب الذين بقوا في روسيا البلشفية الجديدة وعملوا تحت أعين الطغاة الساهرة الذين أبدوا اهتمامًا خاصًا وخبيثًا بالشؤون الأدبية 
لروسيا. 
منذ بواكير قعقعات الثورة، كان كل من لينين وستالين حريصين على استنبات أدب “سوفيتي” مميز، وبذلا قصارى جهديهما لمسخ الأدب الروسي إلى شيء مستساغ سياسيًا. بعض الأدباء، مثل مكسيم غوركي، استفاد من صعود البلشفية، لكن كثيرين آخرين، مثل الشاعر أوسيب ماندلشتام، سيلقون حتفهم في معسكرات العمل. “فقط في روسيا يُحترم الشعر”، كتب ماندلشتام، “إنه يجعل الناس 
يُقتلون”.
كانت الثورة، وتجربتها اللاحقة لإنشاء مجتمع “يوتوبي”، موضوعًا أشعل الجدال في الأوساط الأدبية البعيدة عن روسيا أيضًا.
العديد من الكتاب البارزين في أماكن أخرى، مثل جورج برناردشو و و. هـ. أودن، انجذبوا إلى القضية البلشفية، في حين أن آخرين، مثل جورج أورويل وآرثر كوستلر وألبير كامو، كانوا مشمئزين بسبب الشائعات المتزايدة عن العنف والمجاعة والطغيان. كان أورويل وكوستلر اثنين من الكتّاب الذين استوحوا بشكل مباشر الدراما البلشفية لكتابة ديستوبيا خيالية خاصة بهم (“1984”، و”ظلام في الظهيرة” على التوالي).
حطمت الثورة الروسية الثقافة الأدبية لتشيكوف وتولستوي وأرسلت مئات من أعظم فناني روسيا إلى الموت أو المنفى. هذه المنفى أنتج كاتبًا واحدًا على الأقل، وهو فلاديمير نابوكوف، الذي لا يزال ظله الهائل على الأدب ممتدًا حتى يومنا هذا، لكن أحداث ثورة أكتوبر والنظام البلشفي اللاحق كان من شأنهما أيضًا استقطاب وإلهام الأدباء لسنوات عديدة قادمة، الأمر الذي أثار حزازات أدبية وأفضى إلى كتابة بعض أكثر الروايات شهرة واحتفاءً في القرن العشرين. الأدباء الذين بقوا في روسيا وجد أنفسهم مضطهدين بسبب تفكيرهم الحر، ولكنّ بعضًا من رواياتهم، مثل رواية بولغاكوف (المعلم ومارغريتا) أو (الحياة والمصير) لفاسيلي غروسمان ستُنشران في النهاية وتلقيان استحسانًا عظيمًا، ولكن بعد عقود من وفاة مؤلفيهما.
 
Culture Trip