موازين رمضانيَّة كل ما فيها جميل

منصة 2021/04/17
...

  عبد الرضا موات 
شهر رمضان سيد الشهور العربية بالاداء والعناية فهو امام الشهور ومحورها المتحرك السائح بالزمان المكتظ بالمكان اخذ من الزمان القداسة، فساعاته مثلى وايامه ولياليه فضلى والحركة والسكون فيه معطاء، فسعي الصائم القائم عبادة ونومه عبادة وهذه الخصيصة رمضانية بامتياز. وذلك من المشهور ان الحركة ولود والسكون عاقر سوى سكون شهر الصيام. والشهر من الاشهار اي الشياع ولا نبتعد اذا ما قلنا من الاشتهار ولعل بعض العرب اليوم يطلقون لفظ الاشهار بدل من لفظ الاعلان.
وتسلسل رمضان هو التاسع بين الشهور، والسنة العربية تبدأ بشهر محرم وتنتهي بشهر ذي الحجة. وهناك من يرى ان الاسم وقع على المسمى في موضوعة اسماء الشهور والايام، وقيل سمي رمضان من الرمضاء (الحر المخفي) والعرب تسمي الحال باسم المحل فضلاً عن المحل بالحال، وهذه الطريقة ما زالت مستمرة في لغتنا العربية.
والصوم هو الامساك عن الطعام والشراب واشياء اخرى  من طلوع الفجر حتى غروب الشمس.
وفلسفة الصوم فلسفة ما زلنا نجهل الكثير من ماهياتها ولعل المشهور عنها هي الشعور بالاخر المحروم من ملاذ الطعام، وترويض النفس على التقشف، بيد ان معظم ذلك جانب متواضع من فلسفة الصيام الحقيقية، التي ربما من ابعادها مناجاة الغيب بطرق زهدية والغوص باعماق هذا الفيض الفضفاض الذي يحجبه عنا الانا الضيقة والذاتية المفرطة التي لا تأبه بالاخر اياً كان جنسه وعرقه. وهذه مشكلة انسانية بامتياز عانت منها الشعوب والامم على درجة متفاوتة، إذ إن نكران الاخر (الانسان) واللا مبالاة اتجاه اوضاعه وحاجاته صفة ذميمة وعدم الاكتراث لما يحصل للاخرين صفة أكثر ذماما، لاينبغي للانسان ان يعيشها لا سيما وانه هذا الكائن الجبار الذي هو خليفة (الله تعالى) على هذه الارض ليعمرها لا ليدمرها.
وشهر الصيام شهر العودة للنفس والاهتمام بالروح والتحرر من الشوائب العالقة بشخصياتنا. وهي محاولة لهندمة ذاتيتنا بطريقة انسانية رائقة تفضي الى التعبير عن هذا الموسم النقي بلياليه وأيامه تاركين وراءنا الحاجات الاخرى التي تقلقنا بباقي الشهور، فشهر رمضان شهر الأسرة الاجتماعي الاقتصادي الذي به تجتمع معظم الأسر على مائدة واحدة، بعد ان فرقتها مشاغل الايام الاخرى. ففي الفطور ترى البسمة على وجوه الصائمين يتناولون ما لذ لهم من طعام وشراب في فرحة واطمئنان بان يوماً من ايام شهر مبارك قد اظلهم بظله الوارف، وأن يوما اخر سيأتي ونحن فيه ضيوف الله تعالى في ظل أجواء روحانية تسهم ببناء نمط حياتي متجدد مع كل شهر رمضان قادم. إن اعمال هذا الشهر لها وقع خاص في ذواتنا على الرغم من ان الكثير منها ربما نمارسها في سائر الايام، بيد ان ليالي هذا الشهر الفضيل متميز بطعمه وروحانيته السامية التي لا يشوبها قلق ولا ترهل. فسمو الروح يتسامى ويتألق مع قدسية هذه الايام والليالي، ويكفينا شرفا وفخرا أن فيه ليلة القدر التي هي خير من ثمانين عاما بصباحاتها ومساءاتها، وبه انتصار معركة بدر، وما ادراك ما معركة بدر في السنة الثانية من الهجرة. وتطل علينا في ثلثه الاخير ذكرى استشهاد امير المؤمنين علي (ع) وليد الكعبة وشهيد المحراب، وهو شهر القرآن وربيعه الذي جاء فيه اقرأ وارتق حتى تبلغ جنة المأوى.