الاغتراب وتحولات الحضور في ديوان {زيتٌ لفانوس أبي العلاء»

ثقافة 2019/02/10
...

د. سليم جوهر
 
 
في ديوانه زيت لفانوس ابي العلاء، يحضر الينا عادل الصويري، بوجدانه  القلق والمستريب بنص جديد، يكثف اللغة ويلطف المعنى، فيفنى حضوراً، على قميص المحال، فالمنافي (حقائبٌ نام فيها).يبدو أنّ عادل الصويري يصوّر لنا أنّنا نعيش صراعا داخلياً أراه كافيا بحد ذاته للدلالة على أزمة المعنى في زمن ما بعد التغيير. (فغفونا على ضدين فينا تصارعا)، فيحاول أن يفلسف هذا الصراع، في فحوى الذات ملء تناقض(ص10)
وهذه العلاقة مابين الظاهري والباطني، فالظاهري الذي هو (أصنام السدى نتحجج بها، والباطني الذي هو يقين مربك، فنحتج بالرب المقيم فينا)، فالصراع بين أصنام السدى والإله المقيم الباطني، فهو. يستحضر المعري في قوله: (مهجتي ضدٌّ يُحاربني.... أنا منّي كيف أحترس)، يشبهه (كأنّه اغتراب الروح في الروح منهج، ص9). 
 
إشكالية النص
تتمثل هذه الاشكالية على مستوى اللغة بذاتها، أي علاقتها في وظيفتها البنيوية المتمثلة بالفهم، وأخرى تتعلق في علاقة اللغة بالواقع الذي تصوره او تتمثله:
- اشكالية اللغة، تكمن البنية الداخلية للغة، في ربط الدلالة بالفهم القبلي الناتج عن ألفة مكتسبة مع استخدام اللغة.
- اشكالية علاقة اللغة بالواقع، تتعلق بكيفية تمثل النص للتجربة المعيشية الحياتية. اي تأمّل العلاقة بين النص والفعل دون السقوط في التبسيط المخل، او التعقيد الفج.
هذه العلاقة لا يمكن لها أن تخرج من إحدى اللحظات الثلاث: الفهم. التفسير. النقد. 
فلحظة الصويري في نصّه هذا لحظة فهم؛ وهي لحظة محايثة لما هو مألوف، فهو يبصر من منفاه ذاكرة، لكن المنفى يقاطعه، يطلب منه الانتظار. وهو يعلم أن الخسارات تفرطها الانتظارات، فنخرج من ثقوبها رعاة، فنسقط في الفراغ المريب، يوميا في تجميل (ميك آب) لأشجان الاغتراب. 
إنّ سرَّ شاعرية نص الصويري هذا انه يعبر عن ذاته بذاته، يرثي الحضور الذابل، مع التأني في التصوير متدفقا بهذا التناقض والصراع بين الحضور والغياب في (جسد الحقيقية ناحل، يمسخ المعنى (ص92-91)، ليلملم قلق الحضور المستفز، ذاكرة محذوفة بالتذكر، فيساقطُ الغيابُ سديما، في الفراغ المريب  عسى روح اشتهاء بغربتيها تحل. 
فهو يقف في أحيان ليصنع مسافتين غريبتين (ص32) تحسها تحاكي الفراغ الذي يشعرك به قاصدا أن يوصلك الى الشعور بهذا التناقض فيخاطبك (لم نكن غير غريبين، انشطرنا واتحدنا بدخان الكلمات (ص55)، فهذه المسافات قد تجسّد المسكوت عنه. 
ما سكت عنه النص هو جزء أساسي، منه، بدونه يبقى النص غائبا عن الحضور، يدعونا لنتأمّل في ما لم يقله، أو عجزت الكلمات عن البوح به.
هو يؤشر للتناقض الذي يخلخل اليقينيات الداخلية، بين التحدث والدعوة للنسك، وفي ذات الوقت نعيش المتعة واللذة، ندعو للعقلانية ونعيش الجهل، ندعو للفضيلة ونمارس كلّ أنواع الرذائل. 
بين التعقّل (الثوب) الظاهري المستور، والسؤال الذي يعري، الباطن، بين الصحو الذي يباغته لمساً، فيغفو بعيدا عن اللاهناك (ص43)، فهو في غربة اللاهناك، يأخذه الليل اليه، ليواجه ذئاب النصوص، فيتفلت منها منكسراً غريباً، في التيه، (فيزيت فانوسه المستريب بنص جديد، ليطلق ما خبأته النصوص،ص40)، فيتخلص من المطاردة (بالنجوى، بعمق الشكوى ص41)، بالهوامش التي تهدهده، تؤرجحه، عنما يقرأ هذه الهوامش، (بآخرِ إغماضة للغفاري، بآخر سوسنة للتجلي، ص42). 
إنَّ عادل الصويري يكشف عن التورط التاريخي والمعرفة المركزية وسلطة النص على المعرفة، في انجاز كل هذه الهشاشة المعرفية والتشوهات، التي تخلل كل مفردات حياة الفرد والجماعة، الواقع والنص.
إنّه يؤشر لأفول سلطة الكلمة، وتقويض الكتابة لذاتها، يكشف التقنين الاستيهامي لحراس النص في الهيمنة والسيطرة والانتهاك. انه يكشف عن أسباب وأشكال التشوه لحياة الفرد والجماعة وعبثية الحياة عبر مسخين:
- مسخ المعيشي، من حيث ردها الى حيز الخاص والنفعية والعنف. (وكان قايضه: وردٌ بآبار، فقرأ محنته ودمه(ص52) 
- مسخ الكتابة، بتحوليها الى مجرد نسق، يستر عُري السؤال، بثوب التعقل (ص43)
فالفهم يعني تأسيس قاعدة للظواهر المبثوثة، الاغتراب، الغياب، الحضور، الماء، النص، الفلسفة، اللاهناك، الصمت،......، 
هنالك شيء جديد يحاوله الشاعر، البحث عن طرق جديدة وقوالب للتعبير، فبإدخاله الفلسفة في الشعر يحاول إعادة المفقود من المعنى للحياة.