شبابُ غانا وتحقيقُ الاكتفاءِ الزراعي الذاتي

بانوراما 2021/04/17
...

  نيك دول
ترجمة: بهاء سلمان
قبل أشهر فقط من تخرّج طالب الهندسة الميكانيكية، ديزموند كوني، وإنهاء دراسته الجامعية، توفى والده فجأة، تاركا ابنه يكافح للإشراف على حقل أناناس يقع في ضواحي أكرا، عاصمة غانا. ولغاية تلك اللحظة المفصلية من شهر كانون الأول سنة 2012، لم تكن الزراعة حاضرة ضمن خطط الشاب الطموح كوني، لكن بعد إشارة تلقاها من أحد أساتذته الجامعيين من كون هذه الحالة ربما تمثل «دعوة للرجولة»، قرر المحافظة على إرث والده من خلال تحسين أوضاع الحقل وتوظيف الأرباح الناتجة لدعم والدته وأشقائه.
انقلاب زراعي!
لم تظهر الأمور بسيطة للغاية تقريبا، لكن هذا الشاب البالغ من العمر 29 عاما مستعد لإحداث ثورة للطريقة التي يزرع بها الناس، ليس فقط في غانا، بل أفريقيا بأسرها. وتعمل شركته، «المزارع المتكامل»، التي ولدت من فكرة «إدارة المزارع مثل المصانع»، على ربط «أنموذج الأرض المؤجرة» مع طريقة «الزراعة المحشدة» لأجل جلب الاستثمارات وتحقيق فكرة تسليم المنتج من الحقل الى الزبائن مباشرة، وأكملت الشركة بنجاح 12 مشروعا، وتزرع حاليا 3500 دونم آخر بمحاصيل الفلفل الحار والزنجبيل والبطاطا الحلوة وفول الصويا والذرة الصفراء وبذور السمسم وفستق الحقل، وتصدر إلى الهند والصين وقطر والإمارات وهولندا 
وألمانيا.
لكن سنة 2012 شهدت فشلا لمحاولة كوني الأولى بإنشاء مزارع أناناس، بسبب السرقات وعدم توفر الأسمدة، وغياب سوق موثوقة لمنتجه، مع عوامل أخرى. بعد 18 شهرا، اضطر هو وأسرته التخلي عن المشروع. ولحسن حظه، وجد كوني عملا بالتدريس في جامعته، فساعده ذلك على توفير قوته، بل ومساعدة الطلاب على تشييد عربات تعمل بالطاقة الشمسية، ومساعد روبوتي للزراعة، وأشياء أخرى غيرها. ومع ذلك، بقيَّ شبح إخفاق الحقل يطارده. ثم جاءت مسابقة مدعومة من قبل وكالة الفضاء الأميركية، لتحفزه على تجربة الزراعة العمودية والزراعة المائية، واستمدت الفكرة من تحدّي إيجاد وسائل لزراعة الغذاء على
 المريخ.
في العام 2017، صار تركيز المهندس ديزموند كوني موجها لكيفية «إدارة مزارع أفريقيا مثل المصانع». ونتيجة لامتلاكه وسائل تجارية شملت توظيف المتحسسات والطائرات المسيّرة لمراقبة كل خطوة من خطوات عملية الإنتاج، دخل مع صديقين له بمنافسة حامية، واحتلوا المركز الثالث، وأعجب أحد المتابعين لهم بفكرتهم ليمنحهم مبلغ 50 ألف دولار، ومكانا داخل برنامج ميست المتخصص لرعاية المبتكرين من أصحاب الأعمال
 الأفارقة.
 
نتائج متباينة
وبعد تأمين ستين دونما، دخل الاصدقاء الثلاثة الى «وسط المجهول» ليضعوا عملهم موضع الإختبار. وبعد نهاية سنة من التحدي شهدت تخبط أعمال المزرعة ومغادرة رفيقيه للشركة، أراد كوني الانسحاب من مشروعه؛ لكن مشرفي البرنامج شجعوه على الاستمرار وذكروا له قيمة كل شيء تعلمه، وأجهزته ومتحسساته وطائراته. وكان ذلك أمرا طيبا، لأن سنة 2018 حققت النجاح الأول للشركة مع محصولي فول الصويا والفلفل الحار. ومنها، رفع كوني من قدرة البيانات ليبتكر خطط استزراع تفصيلية لثمانية محاصيل معروفة في منطقة غرب أفريقيا من التي يمكن زراعتها بنتائج مرجوة، فول الصويا، على سبيل المثال، الذي سيتحوّل الى حليب الصويا، يعد مختلفا تماما عن المنتج المخصص لإطعام
 الحيوانات.
ولا يعد الزبائن الدوليون لشركة المزارع المتكامل المستفيدين الوحيدين من أنموذجها الرائد، فقد وضع عشرات من أصحاب الأراضي الغانيين مزارعهم تحت تصرّف الشركة، بمساحة إجمالية بلغت 22 ألف دونم، وتمَّ توظيف 2800 مزارع لتنفيذ مشاريع متنوّعة، والتي تنتج غلة أعلى من المعدل الوطني، من الذرة بنسبة 22 بالمئة، و18 بالمئة بالنسبة لفول الصويا.
الأكثر من هذا، ومع الانجذاب نحو عائدات سخية توفرها الشركة، أسهم مزارعون مغامرون حول العالم بأموال بلغ إجماليها 700 ألف دولار لتغطية نفقات البذور والأسمدة والمكائن والعمالة. أحد المستثمرين هو رومين غراند، مدير شركة مبيعات مقرها باريس، وضع مبلغ 180 ألف دولار لاستثمار عدة مشاريع للمزارع المتكامل خلال السنتين الماضيتين. وتلقى مؤخرا 40 ألف دولار كعوائد، ولديه 200 ألف دولار إضافية كاستثمار لمشاريع جاري
 تنفيذها لمحصولي الصويا والبطاطا الحلوة.
 
استثمار مضمون
كان غراند قد سافر إلى غانا قبل شروعه بالاستثمار، وبالنسبة لجمع المزارعين الطموحين، فالتوقيع للعمل مع المزارع المتكامل سهل للغاية، من خلال الدخول إلى موقع الشركة ووضع 750 دولارا، على سبيل المثال، لكل دونم يزرع محصول الزنجبيل. ويقول غراند، الذي يسابق العالم في الكشف عن الفرص الاستثمارية، أنه لم يجد أي إستثمار آخر يحمل مجازفة مكافئة، توفر مثل هذه العائدات المذهلة، ناهيك عن مساعدتها الكوكب بتحسين الأمن الغذائي والكفاءة
 الزراعية.
وبينما تبقى المسيرة سلسلة حتى الآن، يشير غراند إلى إستعداده إذا ما سارت الأمور بطريق معاكس لأي من استثماراته الزراعية، وتمنحه حقيقة تأمين جميع مزارع كوني ضد الكوارث الطبيعية راحة بال تجعله لا يفقدها كلها، باستثناء الأخطاء البشرية،. يقول غراند: «كوني هو السبب وراء هذا الاستثمار، وليس أحد آخر، فقد راقبته يزرع عبر
 سنوات».
كما يسعى كوني لتحقيق ضمان ازدهار المصلحة التجارية نفسها، ويشعر بالسعادة للنمو الحالي، ويعمل على تطبيق جديد سيمكن الأصدقاء من شراء المزارع بشكل جماعي
للاستثمار.
ومن معوقات عمله، هي واقع الكثير من الأراضي التي يستثمرها، فهي ليست جاهزة للزراعة بعد، وارتفاع تكلفة المكائن المتخصصة بتمهيد التربة، ومن الصعب إدخالها الى غانا؛ ويأمل شراء ماكنة للحراثة. وعلى المدى البعيد، تفضي خطة كوني برفع المفهوم التالي عبر أفريقيا: «ما حققته شركة علي بابا للصناعة في الصين، نريد نحن تحقيقه للزراعة في
 أفريقيا».