خافية مختفية

منصة 2021/04/17
...

قيس قاسم العجرش
أتذكر أنها كانت أمسية من شهر رمضان قبل أكثر من عقد من الزمان. كانت أولى كلماته أثناء الإفطار تشرح لي بأنَّ الناس لو عرفوا ما يعرف، أو أنهم اطلعوا على ما يطلع عليه من تقارير يوميَّة، لانقلبت الدنيا بهم وماجت وراجت الأرض تحت أقدامهم.
لكنَّ حرصه، وهو المسؤول حينها في الدولة، على السِلم الأهلي يجعله يكظم غيضه، ويكتم معلوماته.
طرحت عليه بجد أنْ يفكر في شرعية (حقّه) في أنْ يكتم علمه أو معرفته عن أفعال، أو أحداث تعدُّ خرقًا للقانون، فقط من أجل أنه (يقدّر) أنها لو كشفت فستكون مصدر اضطراب متوقع.
عقدة هذا التفكير هو الاحتكام الى ميزان ذاتي في التقديرـ بصرف النظر عن المآلات أو العواقب. وبصرف النظر أيضًا عن مدى صواب هذا الركون، فالأصل هو أنْ تعرض الأفعال على القانون فيحدد وزنها وتعريفها.
هذه مشكلة مختفية أو كامنة في جسم الدولة، وتصحبنا معها في كل انعطافة، بل إنها تعيد تأكيد وجودها وهيمنتها كلما كان هناك داعٍ لأنْ يعرف الناس، وكما يعبّر التعبير الشائع العراقي؛ «ان يعرفوا رأسهم من أرجلهم».
حق الناس بأنْ تعرف ليس بطرًا ولا انتهاكًا لما يختص به المسؤول من قرار، إنما هو جزءٌ من حقهم في التقرير الصائب. وكذلك حقهم في أنْ تتوفر لهم قاعدة سليمة لنمو الأفكار. ولهذا، فإنَّ التشويه المعلوماتي، وضخ معلومات كاذبة منحولة ومغلوطة لا يمكن عدّه جزءاً من (حرية التعبير) أبداً.
الفقرة ثانياً، من المادة (37) من الدستور، توجب على الدولة (حماية الفرد من الإكراه الفكري والسياسي والديني). فإذا كان الفرد لا يعلم، ولا يتاح له بأنْ يطلع على الحقائق، كيف سنحميه من هذا الإكراه؟، ومن الطبيعي أنْ يتحول الكذب الى (إكراه)، طالما أننا لا نسمع سواه.