لا ضمانات لحقوق مؤلفي الكتب.. وآليات التسويق ما زالت غير آمنة

منصة 2021/04/20
...

 د. صفد الشمري
 
مثل مناحي الحياة كلها، ضربت الصرعة الرقميَّة صناعة الكتب في العالم، وتمكّنت من إعادة تدوير أدواتها وحتى مضامينها، على وفق متطلبات الحال الجديدة، عبر توظيف قدرات الديجيتال في إنتاج المصنفات المختلفة، لما احتكمت عليه من مزايا الوصول الآمن الى جموع المستهدفين، ممن توافقت احتياجاتهم واهتماماتهم وتطلعاتهم مع المنتج المراد تسويقه، وبحسب نتائج عمليات تحليل البيانات الذكية.
 
الصيغة غير المجردة!
الكتاب الإلكتروني في العالم اليوم، ليست صيغة رقمية مجرّدة لنص أعدت مضامينه للصفحات الورقيَّة فحسب، بل هو صناعة تبدأ مع المؤلف نفسه، ولا تنتهي عند القارئ المستهدف.. بل هي عملية تواصليَّة مستمرة، ترافقها ممارسات قياس وتقويم آنيَّة واضحة، بين أطراف تلك الصناعة جميعها، عبر الأوعية التي تحكمها القدرات الذكيَّة، القادرة على مضاعفة فرص نجاح الكتاب نفسه، عبر مطالعة ذكيَّة للبيئة المحطية بتلك الصناعة، يمكن لها أنْ تقدم النصح والرؤى، في التزام نهج معين للتسويق، أو توصي الكاتب بمسارات معينة لمقبل نتاجاته، مع حزمة ضمانات على مستوى عالٍ من الدقة للوصول الى القارئ المطلوب 
بالتحديد.
دخلت نُظم الحواسيب المنطقة العربية أواسط ثمانينيات القرن الماضي، وتحدد وجودها الأصلي في دول الخليج العربي ولبنان وتونس، واقتصرت استعمالاتها على إدارة البنوك والمكتبات الكبرى والمؤسسات، إلا أنها انتشرت في الحياة العربيَّة في أواسط التسعينيات.
وكانت تونس هي الأسبق في ارتباطها بشبكة الانترنت منذ أوائل التسعينيات، تبعتها مصر 1993، وفي العام 1995 قامت معظم البلدان العربيَّة بإعادة هيكلة قطاع الاتصالات، بدافع إدخال الهاتف النقال وخدمات الإنترنت، بينما شهد العراق تطوّراَ كبيراً في هذا المجال بعد العام 2003، إلا أنَّ تلك التطورات لم تتمكن من مواكبة العديد من مظاهر الاستخدام الرقمي 
بعد.
القراءة العراقيَّة
بعد مضي هذه سنوات، يؤشر لنا التطبيق الميداني عدداً من الإشكاليات التي حددت من شيوع القراءة الإلكترونيَّة على وفق المناهج الرصينة في العراق بشكلٍ عام، بالرغم من شيوع الوسائط الإلكترونيَّة وانفتاحها على شبكة المعلومات الدوليَّة لدينا، ويكمن إبرازها في مجالات استعمال التقنية الإلكترونيَّة نفسها، واتجاهات التعرض لمضامينها ودوافعه، التي ما زالت تقصد الجوانب الترفيهيَّة، أو الإخباريَّة، في حالات محدودة، ومقتصرة بظروفٍ معينة، على حساب المعرفيَّة منها، ويُقصد بالمعرفيَّة ضمن هذا المضمار تلك المختصة بعلومٍ أو فنونٍ بعينها.
إنَّ حداثة القراءة الإلكترونيَّة النسبيَّة في العراق، بالقياس إلى ممارسات القراءة التقليديَّة، بالرغم من محدوديتها، يجعلها بموضع الحاجة إلى عنصر الزمن، لتحديث السلوكيات والعادات الموروثة للقارئ العراقي، في مقابل عدم تكامل الرؤية المصداقيَّة حول المنشورات الإلكترونيَّة بعد، بالنظر لمديات الإتاحة الفتوحة لها، الأمر الذي يجعل من المصدر العلمي الإلكتروني غير موثوقٍ من قبل المختصين والمعنيين بتقويم الأبحاث والدراسات، ويحد من مجالات الإفادة منه.
ولا يمكن صرف النظر عن تحوّل اهتمامات الفرد نحو قضايا متنوعة جعلتها معطيات الظروف التي مرَّتْ بها البلاد تتبوأ مراتب متقدمة من سلم أولوياته، ومنها تلك الظروف المتعلقة بالحروب والانشغالات المعيشيَّة، ودفع بالعديد من ممارساته التقليديَّة، ومنها ما يتعلق بالقراءة بشكلٍ عام، إلى مراتب متأخرة من الاهتمام.
والمشكلة المستمرة في تعاطي العراقيين مع الظاهرة الرقميَّة اليوم، تكمن في عدم وجود فاعل مؤسسات «التنشئة الرقميَّة» اسوة بالعالم، التي يمكن لها أنْ تعمل على تنمية مهارات القراءة الإلكترونية في العراق، وتمكين المستخدم من الإفادة إيجاباً من الوظائف المعرفيَّة للشبكة الدوليَّة للمعلومات، واقتصار جهود المؤسسات التربويَّة والتعليميَّة على الجوانب التقنية البحتة في المناهج الدراسيَّة والعلميَّة المختصة بالتقنيات الإلكترونيَّة، لا الوظيفيَّة منها.
وعلينا عدم القفز على حقيقة غياب الآليات الواضحة والمناهج الضامنة للتسوّق عن طريق الإنترنت في العراق «وما يعرف بالتسويق الإلكتروني»، لطرفي العملية الشرائيَّة «البائع والمشتري، لا سيّما ما يرتبط منها بدفع المستحقات الماليَّة، وإيصال المادة المشتراة إلكترونياً، في وقتٍ لا يمكن فيه «تجاوز عامل الخلفية التسويقيَّة التي يقف وراءها موفرو الخدمات المتعددة في شبكة الإنترنت وشركات الاتصال.
إنَّ الانطباع عن عدم جدية القسم الأكبر من النصوص الإلكترونيَّة، عاد هو الآخر بأثره على صورة الكتب الإلكترونيَّة في خضم ذلك الانطباع، الذي كانت له مسبباته، ومنها طبيعة اللغة المستعملة في تلك النصوص الإلكترونيَّة التي لم تلتزم قواعد اللغة الصحيحة، ومنه ما عرف بـ»الدلالة المختزلة للكلمات»، من قبيل: الاستعاضة عن كلمة You، بالحرف U، والاستدلال بكلمة For، بالرقم 4، لتختزل جملة: For  You، بـ 4 u فقط.
 
المكتبة الغائبة
كان لغياب المؤلفات العراقيَّة الحديثة في المكتبة الورقيَّة والإلكترونيَّة العربيَّة والدوليَّة أثره في تراجع صناعة الكتب في العراق، لعددٍ من الأسباب، ومنها: تراجع حركة النشر المكتبي في العراق بشكلٍ عام، وعدم وجود دورٍ أو هيئات مختصة للنشر الإلكتروني، إثر تراجع سوق الكتب المحلية، وارتباط النشر الورقي بحقوق والتزامات، عادت بأثرها بعدم القدرة على الإفادة من مضامين المنشور إلكترونياً، والاكتفاء بجوانب التسويق له عبر الوسائط الإلكترونية، من دون نشر مضامينه كاملة.
لقد كان للمؤشرات السابقة الدور الفاعل في عزوف المؤلف والناشر العراقي عن إصدار المؤلفات الإلكترونيَّة المحلية، وتوظيف جهوده، المحدودة أساساً، للنشر الورقي، الى جانب عدم تشجيع المؤسسات الرسميَّة العراقيَّة المعنية بحركة التأليف والنشر والترجمة، وعدم حماية مؤلفيها وناشريها ومترجميها جعلهم عرضة للابتزاز من دور النشر العربية والأجنبية، وبما لم يعد بأثره الإيجابي على حث خطواتهم وحراك حماستهم نحو تطوير تلك الصناعة، التي تستوجب مراجعة سريعة، على وفق المتطلبات المعاصرة، التي تظهر الرقمنة سطوتها الملزمة، غير القابلة
للانهزام.