ذوالفقار يوسف
انكسرت التقاليد وتلاشت العادات، وهيمن الخوف والتردد والحيرة على الانسان في كل بقاع العالم، وتوقفت الاحتفالات والاجتماعات والمهرجانات، أجلت المشاريع، فالوباء قد قال كلمته لكوكب الارض، وها هو يبعث بموجاته نحونا بلا رحمة، يأكلنا واحدا تلو الاخر، ولا يستثني العجوز، ولا يرأف بالطفل، صار كما القطار وقد اوثقنا على سكته، وهو القدر بأشكاله المختلفة، والضياع بسطوته العظيمة، ليحرمنا من بعضنا البعض.
حدقت جائحة كورونا بنا هذه المرة بوحشية مطلقة، واخذت منا ولكنها لم تكتف بعد، اخافتنا لتقول لنا: كيف لكم الا تبالوا بي، بقوتي وخطورتي، عمار الجبوري (22 عاما) كان احد المهملين لملكة الشر، فهو يتباهى بعدم لبسه للكمامة، وتحدث وقد نفخ الهواء صدره، فقال "انا لا اتوقع أن اصاب من خلال العدوى، انها مؤامرة وقد حدثت بفعل فاعل، لذلك الوباء يأتي الينا من خلال منتوج مستورد ما، و قد ترى الكثيرين ممن يلتزمون بقواعد التباعد الاجتماعي وبلبس الكمامة والقفازات قد اصيبوا بالوباء".
عمار يحاول أن يقنع كل من ينصحه بالالتزام من خلال حديث المؤامرات هذا، انه لم يصب بعد بالمرض، لان قناعته كفيلة بجعل الوباء يهرب منه ما ان رآه، واكد "ان هذه الثقة هي من تقوي مناعتي ضد هذا الوباء وغيره".
غمازات دنيا
ولم تكن ثقة عمار هي التي تمنع كثيرين من لبس الكمامة، بل هناك العديد من الاسباب التي جعلت الكثيرين لا يلتزمون بالتباعد وقوانين خلية الازمة، لتصل الى اسباب تافهة، كما هو اعتقاد دنيا سالم (19 عاما) عندما سألناها عن سبب عدم ارتدائها للكمامة، اذ قالت لنا بانها تخفي الغمازات التي تضفي جمالا لخدودها، لذلك هي لا تستطيع ارتداءها كلما خرجت من المنزل، واكدت ان العامل النفسي وحب الذات اقوى من اي تهديد، وبينت دنيا انها لا تصدق بان الكمامة ستحميها من العدوى، لذلك فان لا فرق في ارتدائها من عدمه، واردفت ان "الوباء حرمني من الذهاب الى الجامعة لهذا العام، وابعدني عن صديقاتي، لذلك لا اريد أن يحرمني من اظهار جمالي".
أ. ح (34 عاماً)، تحاول قدر المستطاع وتدعو احيانا أن يستمر الوباء، فهي ذات مظهر اعتيادي وملامح اقرب ما تكون الى ملامح الرجال، وقد اضيفت لهذا الامر اسنانها الامامية التي كسر احدها، لذلك فهي فرصة لنهاية التنمر الذي تواجهه كلما مرت في شارع ما، ونستطيع أن نعرف من خلال هاتين الفتاتين بان لبس الكمامة يعتمد على الكثير من العوامل وغير مرتبط فقط بمدى قناعة الناس بخطورة الوباء او تصديقهم بوجوده.
خالد الحلاق
وبينما تسلك الفتيات اللاتي قد تركن شراء احمر الشفاه وهجرنه منذ بداية الوباء الطرق، تلاحق بصائر الفتيان ما تبقى من ملامحهن لمعرفة من منهن الجميلة، فتلك قد خطت كحلها لتبرز عينيها وجمالهما، واخرى قد التجأت لخصلتها لتعوض اخفاء ملامحها التي غطتها الكمامة، محمد داخل (24 عاما) الشاب الذي ربى ذقنه واطاله ليضيف ما تهواه الفتيات بالرجل، انه يجلس امام المرآة لنصف ساعة كل يوم ليشذب هذا الذقن وشعر رأسه، لعله يفوز بقلب احداهن، واوضح محمد "ان الذقن الطويل هو حديث الفتيات واهتمامهن هذه الايام، لذلك انا اعتني به حتى اني استخدم زيتا خاصا له ينهي تجعيده، وهذا ما جعلني امتنع عن لبس الكمامة، فبعد هذه العناية كيف لي ان اخفيه بها".
اما خالد السلطاني (32 عاماً) الذي يملك محلا للحلاقة الرجالية فهو يعزو سبب عدم لبسه للكمامة لكثرة طالبي تشذيب شعرهم، واضاف "ان علاقة الحلاق بزبائنه هي علاقة عمل اساسها التقارب الجسدي، اذ لابد لي من لمس وجوههم وتنظيفها من الشعر غير المرغوب فيه، اضافة الى قربي منهم طوال مدة جلوسهم على كرسي الحلاقة".
السلطاني يعاني من مهنته التي يكون فيها المتعرض الاول للعدوى، ورغم تعقيمه المستمر لادوات الحلاقة التي يستخدمها، الا انه غير مقتنع بمدى فاعليتها بابعاد الوباء عنه وزبائنه، فهو يمكن أن يكون احدى وسائل نقل العدوى من دون علمه.
انتظار
وبترقب الخائفين يتربص سلوان خالد (38 عاماً) كما يترقب الحلاق علي وصول الوباء لجسمه، فاسرته قد اصيبت كلها الا هو، ورغم انهم تماثلوا للشفاء من الجائحة، الا ان ما يخيفه هو جهله من عدم اصابته رغم انه يسكن في المنزل نفسه مع اسرته، تتداخل اصابع يدي سلوان مع الاخرى وقد تملكه الخوف الذي صاحبته الحيرة، كيف ولماذا انا؟ متى ساصاب؟، وهذا ما جعله يستسلم الى القناعة بانه سيصاب في وقت ما، لذلك فقد ترك الوقاية ولبس الكمامة والقفازات.
سلوان ترك لبس الكمامة مثل كثيرين، فمنهم من اصابه الهلع من عدد المصابين، والبعض الاخر غير مكترثين لهول الازمة، منهم من يطلق الحجج بقناعة المعاندين، وآخرون قد ارتدوا لباس الاهمال بسبب الملل من الوقاية، اذ لبسوا كمامة على فهمهم وعقولهم، ولم يكترثوا لتأثيرهم في من يرتديها، غير آبهين لحجم المشكلة والعقوبات المفروضة على من يهمل القوانين ولا يلتزم، لا نقول ان في الكمامة الخلاص من الوباء، ولكنها قد تكون الوسيلة البديهية الوحيدة للحد من انتشار العدوى، بالرغم من انه لا توجد هناك وسيلة للخلاص من عدوى الجهل.