في هذا الشهر تتغير عاداتنا وأساليبنا في الحياة.. القراءة وطقوس رمضان

ثقافة 2021/04/20
...

  البصرة: صفاء ذياب
على الرغم من الكثير من الأدباء والمثقفين حددوا أوقاتاً ثابتة للقراءة والكتابة، تعودوا عليها منذ سنوات طويلة، غير أن التغيّرات التي تمر خلال شهر رمضان المبارك، تجبرنا على تغيير طقوس القراءة، وما ترافقها من نشاطات ثقافية خاصة، هذا الشهر الذي يحدد تفاصيل يومنا، ابتداء من السحور، ومروراً بالنهار الذي يكون مختلفاً عن نهارات الشهور الأخرى، وليس انتهاء بالفطور، بل إن هذا التوقيت سيكون انطلاقاً لتفاصيل كثيرة تحددها الملامح الاجتماعية لكل مدينة.. فما الذي غيّره شهر رمضان في طقوس القراءة؟
تقنيات حديثة
يشير الكاتب المسرحي علي عبد النبي الزيدي، إلى أنَّ فعل القراءة لم يحتفظ كطقس مورس منذ عقود طويلة من الزمن بروحه إلّا باستثناءات قليلة عند البعض، فقد هيمنت على هذا الطقس حياة جديدة الآن تكاد تشطبه تماماً.. اقترنت بوسائل الاتصال التي تحوّلت الى قامع كبير لما هو روحي أو طقسي، وهي تؤكّد- بفداحة- سرعة القراءة والكتابة معاً من خلال نافذتها الصغيرة عن طريق الموبايل وسواه، وأيضاً هيمنة التلفزيون الصاخب بالدراما الرمضانية بشكل يُغرق الجميع بتفاصيله الكثيرة، ومن هنا لم يستطع طقس القراءة الصمود أمام جيوش تلك الوسائل بكامل مغرياتها وسرعة وصولها وتفاهة مادتها التي يعتقدها الأغلب بأنَّها مادة العصر الجديد.. الأمر الذي يحيلنا إلى قضية على قدر كبير من الخطورة مستقبلاً ولأجيال مقبلة.. يتحوّل فيها الاستثناء الى قاعدة! ويُمسي طقس القراءة من التراث القديم! على اعتبار أنَّ الجيل الذي يؤمن بهذا الطقس سيغادر الحياة، ليسلم الراية لجيل يعيش عصر نافذة الانترنت التي لا نعرف فعلاً ما ستصنعه في قابل السنوات لتجعل الإنسان عبداً مطيعاً لآلياتها تماماً، وهو ما يدق ناقوس الخطر على غياب الروح باتجاه إلغاء تام لطقس القراءة الخالق للفكر والوعي والذي كان أحد أهم وأجمل الأوقات لأجيال خلت.
 
أبعاد ثقافية
 يرى الناقد الدكتور جاسم محمد جسام أن القراءة تمثّل فعلاً ثقافياً لا يمكن الاستغناء عنه، فالرهان الأساس هو تحويل القراءة إلى سلوك ثقافي وعادة اجتماعية، وبالتحديد كيفية إقامة ثقافة القراءة وتوجيه هذا السلوك بالشكل الصحيح بحيث يمثل تجربة حياتية مهمة يعيشها المثقف، ولكن يبقى السؤال الأهم هو كيف ننظّم وقت القراءة وما المحطة المهمّة التي يجب أن نتوقّف عندها في أثناء هذا الفعل؟.
يجيب جسّام عن هذا التساؤل بقوله: يميل المثقف إلى أجواء الهدوء والسكينة لممارسة فعل القراءة، وهذا ما توفّره أيام رمضان لاسيّما بعد حلول الليل وما يحمله من هدوء واستقرار مما يجعل القارئ أمام أجواء مناسبة فيها الكثير من التأمّل والصفاء التي تدفعه إلى القراءة الموضوعية والدقيقة، ومن ثم ستولد هذه القراءة بُعدين مهمين؛ خاصا وعاما، فإنّه يحفظ للمثقف تميّزه الثقافي وحرّيته في اختيار أدوات التشخيص السليم ويعمّق من إيمانه بقدرته وإمكاناته الخلّاقة. أمّا على المستوى العام، فإنّه يحصّن الثقافة من التجريد النظري ويفتح آفاقاً واسعة لقراءات كهذه، ومن ثم يمكن الاطمئنان إلى ما يهتدي إليه المثقف من تفسير لطبيعة القراءة والخروج بحلول واقعية ومنطقية لكل ما يتعرّض له المجتمع من مشكلات ومعاناة.
 
تقاليد أسريَّة
أما الناقد الدكتور جبار صبري، فيبيّن، أن القارئ في هذا الشهر يتأثّر بمجريات حركة المجتمع وطقوسه في صرف أوقاته وكيفيات أدائه وهو يلزم نفسه بالكثير من إنفاق ذلك الوقت بالتعبّد المباشر. لكن على المستوى الشخصي لم أتأثر بمتغيّرات المجتمع في هذا الشهر، فإنَّ عملية إنفاق وقتي في القراءة والكتابة ملتزم بمعدّل إنتاج يومي أعمل عليه وأهداف تحتاج إلى فعل أدائي، قراءةً وكتابة، بغية الوصول إليها.
ويضيف صبري: هذا لا يمنع من أنَّ المتغيّر الاجتماعي الجديد في هذا الشهر وما يحمله من طقوس أن يثير فيَّ جملة من أسباب التعاطي الجديدة مع القراءة والكتابة، مثلاً:
- ألزم نفسي بمشاركة أهلي في إعداد الطعام.
- ألزم نفسي بمشاركة أهلي بالإفطار معاً حتى وإن كنت غير صائم.
- ألزم نفسي بتدبر التطهير الذي ينعكس عليَّ من خلال فيض المعاني المريحة التي تتناضح في وجوه أهلي.
كل ذلك وأكثر أجده ممتعاً وهادفاً، بل ومثير إلى درجة إضفاء الكثير من الراحة في النفس في ضوء ما يفرضه الطقس من تجلّيات معنوية تترك أثراً على كل مريد والذي ينعكس ذلك في السلوك والتعبير والمعاملة مثلما ينعكس على قراءتي وكتابتي.
 
خصوصيَّة
وبحسب الكاتب صادق الطريحي فالقراءة ليست عملاً ما لتزجية وقت الفراغ كما يظن البعض، أو كما يمارسه في الواقع، بل فعل إبداعيّ منتج يوازي عملية الكتابة نفسها، وكما نحتاج في الكتابة إلى ظروف طبيعية مناسبة، فإنَّها تحتاج إلى الظروف نفسها، فضلاً عن التوافق النفسي أو المزاجي الذي يحتاجه القارئ. ولكلّ شخص منا وقته المزاجيّ الذي يعتقد أنّه الوقت المواتي له للقراءة أو الكتابة.
لكنّ خصوصية شهر رمضان تفرض تغييراً في مواعيد الطعام والنوم، والحركة اليومية للأشخاص، وتقليصاً في عدد ساعات العمل، وتغييراً في مواعيد الفتح والإغلاق للمحال العامة، والمؤسسات الثقافية، والزيارات الشّخصية والأسرية، وتفرض الأعراف المجتمعية على الأشخاص التقيد بهذه التوقيتات الجديدة، وعليه أنْ يندمج معها، فيغيّر من مواقيت قراءته، أو يقلّل منها، وربما يزيد منها عند البعض!.
فمثلاً إنّ الشّخص الذي تعوّد على القراءة فجراً في الأيام الاعتيادية، لن يتأثّر موقفه القرائي، لكنّ الشّخص الذي تعوّد على القراءة ليلاً أو نهاراً فسوف يتأثر حتماً بالتغييرات الجديدة التي تفرضها طقوس شهر رمضان المبارك، وأعرافه.
 
أوقات معرفيَّة
الناقد عبد علي حسن يرى أنّه لا شك بأنَّ المثقف، حريصٌ على إدامة علاقته بالكتاب في الأوقات كلّها، لأنَّ القراءة تعد واحدةً من المصادر المعرفية لنمو وتطور الشخصية الثقافية، ولعلّ ما يوفرّه شهرُ رمضان الفضيل من وقت يدفع العديد من القراء إلى وضع برنامج قرائي يتم خلاله وضع قائمةً من الكتب تغطّي أيّام شهر رمضان، لاسيّما في ساعات الليل الممتدة بين الإفطار والسحر، وعادةً ما تكون هذه القراءات متنوعة الاهتمامات بين ما هو تاريخي أو ديني أو أدبي، إذ إنَّ الأجواء الروحانية في رمضان تخلق تناسباً طردياً بين هذه الأجواء والطقوس وبين حرص القرّاء على التفاعل مع تلك الأجواء وبما يضمن الاستزادة من فيض المعارف التي تتضمنها الكتب، الأمر الذي أحدث تحوّلاً في العادات القرائية، وعلى صعيد شخصي فإنَّ الكتب التي تتطلّب بذل مجهود فكري في التعامل معها فإنَّ الوقت المخصّص لقراءتها يكون ليلاً، إذ يتوفّر المزاج والاستعداد للقراءة، في حين تشهد ساعات النهار خمولاً ذهنياً، ألجأُ فيه إلى قراءة الروايات والكتب التاريخية وحتى الدينية التي لا تتطلّب جهداً فكرياً، إذ يكون هنالك تلقٍّ سهل واستهلاكي لا يتعدى منطقة الإخبار والاطلاع المعرفي.
 
تغيّر الروتين اليومي
ومن وجهة نظر الناقد أمجد نجم الزيدي، فإنَّ طقوس القراءة تتأثّر في شهر رمضان تأثّراً كبيراً، وربَّما تتغيّر؛ تبعاً لتغيّر الروتين اليومي، فالقراءة كطقس ولاسيّما لدى مدمني القراءة، يعتمد على سياق صارم في تحديد الوقت المخصّص لها، لذلك فتغيّر هذا الروتين سينعكس سلباً، من خلال تغيّر الفترة الزمنية المخصّصة لها، فضلا عن تغيّر العادات اليومية؛ التي قد تؤثّر على المزاج والحالة النفسية والاستعداد للقراءة، وقد يستمر هذا الطقس خلال هذا الشهر، ولكنّه لن يكون ضمن الوتيرة المعتادة، أو ضمن القراءة المنتجة إن صحّت التسمية، فضلا عن بطء تلك الوتيرة وتعثّرها في بعض الاحيان، ربَّما لفقدان التركيز أو التشتّت، وطبعاً قد يمتد هذا التأثير إلى نوعية الكتب المنتقاة، وإن كان هذا الأمر نسبياً في بعض الأحيان، إذ يختلف من شخص لآخر، فهناك من يعدّها فرصة لقراءة منهجية، لأنَّها فترة محصورة ومحدّدة، وآخرون يميلون إلى تنظيم قائمة قرائية تبتعد عن الكتب الفكرية والفلسفية المعقدة، والاكتفاء بالكتب الخفيفة كالروايات مثلاً أو المقالات، وهناك من ينظر إليه بوصفه شهرا عباديا لذلك تكون قراءاته دينية صرفة.