النقد التنويري

ثقافة 2021/04/20
...

د. أحمد الزبيدي 
 
ولعلك ترى في تكثيف الفيلسوف كانط لـ(التنوير)، بنصيحته الشهيرة: (تجرّأْ على الفهم) حافزًا على البحث عمّن يمثّلها في ثقافتنا العربية، في اتجاهاتها المختلفة؛ ومنها  النقد 
الأدبي. 
فهل ثمة (نقد تنويري!) تجرّأ على الثابت وهزّ المفاهيم وحرّك الساكن؟، أيمكن أن نعد الجاحظ الذي فضّل في مواضع معيّنة أبا نوّاس على المهلهل جرأة نقدية خالفت المنهجية التاريخية التي تؤمن بأفضلية السابق على اللاحق؟!، وهل في نزوع طائفة من النقاد القدماء إلى مرجعيات فلسفية عقلية هو نزوع نحو القراءة العقلية؟، ولعلك - أيضًا - ترى في التساؤلات إقحامًا لحركة فكرية وثقافية نشأت في بيئة مختلفة في فضاء ثقافي مختلف عنها، أو لم تتهيّأ الظروف المناسبة لتمثلها؛ ولكن هذا لا يعني بالضرورة غياب التصورات المعرفية، التي تتناسب مع الاطروحات العامة للاتجاهات التنويرية والحداثية والنهضوية في الفكر العربي؛ وما نعنيه تحديدًا هو: النقد الأدبي الذي رافق النص الإبداعي في علاقة تقوم على المحاورة والمجادلة، وأحيانا الاتباع حسب سلطة النص وسطوته.
  وحين بزغت الحداثة في ثقافتنا المعاصرة واصطدمت بالمدونة التراثية وجدت نفسها أمام إشكاليات متعددة، ومن أبرزها أنها جاءت عبر ترحيل وتأثير أكثر من كونها نابعة من فعل ثقافي عربي واعٍ؛ ومن هنا فإن أبرز مناطق اشتغالها الفكري والثقافي على مستوى المفاهيم والمصطلحات والنظريات هي المناطق ذات التقارب اللغوي مع مصادرها ومنابعها الرئيسة في حين أن المنطقة الإبداعية الجمالية توهّجت في الركن الآخر من البلاد العربية؛ وليس بالضرورة أن تنقسم خارطة الحداثة على وفق القياسات السياسية المصطنعة ولكن الجغرافية الثقافية تلوّح بالتباين بين الاتجاهين..
أقول: إذا كانت الحركة التنويرية الغربية أعلنت عن حربها على المعوّقات التي تقف أمام الحركة العقلية، ومنها الدين، حتى وصلت صراحتها بجرأة فولتير: (اسحقوا هذا العار!) فإن المراجعة القريبة الفاحصة للثقافة العربية سترى ضعف الصرخة التنويرية العربية أزاء المنظومة الدينية الحاكمة والمتحكمة في البنية المجتمعية العربية، وبخاصة أنها تشتغل على وفق منظومة السلطة التي تتبادل مع الاتكاء الديني القدسية والحتمية والولائية المطلقة. 
تتعدد التساؤلات مع تعدد الإشكاليات ورهانات الحداثة وفعلها التنويري؛ وإذا كانت الحداثة العربية في منطقتها الإبداعية الجمالية تبرز عبر أعمال فردانية بتجارب خاصة فإنها تكاد تكون كذلك في منطقتها المعرفية والثقافية ومنها النقدية، وعليه فمتى ما أصبح العمل التنويري عملًا جماعيًّا مؤسساتيًّا يقوم على مرتكزات نظرية واعية ونابعة من حراك ثوري حينئذ يمكن القول وباطمئنان كبير أننا (تجرّأنا على الفهم)؟.