أول بناء زقوري تمّ اكتشافه «البردويل» ... أطلال شاخصة تروي تاريخ كربلاء العريق

ريبورتاج 2021/04/21
...

 نورا خالد
لم يبق من قلعة او قصر «البردويل» ضمن حضارة بلاد الرافدين سوى أطلال، لكن هرمها الضخم الذي يرتفع عن مستوى الارض بنحو 50 مترا مازال يقف منذ آلاف السنين، شامخا بين الاراضي الصحراوية المنبسطة التي تحيطه في كربلاء، اذ تعرضت معظم اجزاء هذه القلعة التي يعود تاريخ بنائها الى القرن الخامس الميلادي لعملية هدم، نتيجة للظروف المناخية وعدم الاهتمام  بالآثار التاريخية، وما تبقى منها بعض القاعات المسقفة المشيدة على الطراز المعماري الحيري الذي كان سائدا في تلك الحقبة الزمنية. 
 
قالت الدكتورة رغد عبد النبي المختصة بتاريخ العرب قبل الاسلام / الديانة المسيحية: «تقع القلعة في الجهة الشمالية الغربية من مدينة عين التمر (شثاثة) على مسافة 5 كيلومترات وعلى الجانب الشمالي للطريق الذي يربط شثاثة بالرحالية، ويعد هذا المبنى ضمن مبانٍ تاريخية عدة اندثرت في هذه المنطقة.
اذ تقع على بعد 15 كيلومترا يسار كهوف الطار بالقرب منها مراقد دينية ومقامات داخل وخارج القضاء، واهمها مرقد السيد أحمد بن هاشم الذي نسبه يعود إلى الامام موسى بن
 جعفر». 
وبينت عبد النبي أن “البردويل كانت دارا للعبادة بطراز زقوري يسكنه الرهبان السريان، ولخصوصيتها الدينية بنيت بعيدة عن صخب المدن، عن بابل وكربلاء للتعبد والتأمل والعزلة”. 
واوضحت “يقع بالقرب من البردويل موقع يسمى “الكسرونية”، بناه كسرى الثالث وهو موقع عسكري يضم الجنود واسرهم، وكان الموقع يستخدم لمباغتة الجيوش التي تحاول عزو العراق من اتجاه الصحراء”.
وهي “عبارة عن برج لولبي بارتفاع خمسين مترا تقريبا، ويقع اعلى البرج بناء يتألف من عدة حجرات، تهدمت اغلبها بفعل الزمن أي انها تشبه الى حد بعيد البناء
 الزقوري”. 
 
بناء على الطراز الحيري
تشير الدراسات الى أن بناء الاديرة في جنوبي العراق بدأ في بواكير القرون الميلادية الاولى، وشيدت معظمها في الاماكن الصحراوية والبعيدة عن المستوطنات، اما ما كان منها في المدن والقرى فيعد
 كنيسة. 
وعاش الرهبان في الاديرة على نمطين، الاول نمط الحياة المشتركة وهي أن يسكن الرهبان في مكان واحد يقع في نهاية الدير وهم يزاولون اعمالهم اليومية كالزراعة والصناعات اليدوية في محيط الدير، والنمط الثاني أن يعيش الراهب حياة منفصلة عن الدير وهو ما كان عليه البردويل، اذ قيل انه كان صومعة لعابد مسيحي قبل الاسلام، ويلاحظ أن شكله الحالي يشبه صوامع
 الرهبان.
الدكتور حاتم ثويني المتخصص في علم الانثروبولوجي اشار في حديثه لـ«الصباح» الى أن «قلعة البردويل تعود الى العصر المسيحي في القرن الخامس الميلادي، ووجدت اصلا لحياة الرهبان والتعبد وبالتالي فان مساحة البناء تصلح تماماً، لنزل راهب او راهبين نظرا لصغر مساحة البناء في اعلى البرج الذي شيد بالآجر
 والجص». 
وتابع ثويني «بنيت البردويل على الطراز الحيري الذي كان طرازا مميزا قائما بذاته وظل معروفا حتى في العصر الاسلامي، ومن ابرز سماته نظام القباب فكانت هناك ثلاث قباب متجاورة في مركز الدير، وهي واحدة من أقدم دور العبادة في المشرق على الارجح ولكن بعد انتشار الاسلام تراجع وجود المسيحيين في المنطقة بالتدريج، حتى خلت من السكان ما أدى لتغطية الكنيسة برمال الصحراء المتحركة بالكامل حتى صارت في عالم النسيان ولم يبق منها سوى
 اطلال».
أول بناء زقوري
شهدت عين التمر وجود مجتمع مسيحي عربي، تفانى في بناء الاديرة والكنائس التي كانت تساعد على نشر الديانة المسيحية في الارياف والحواضر، مثلما كانت توفر فرصة التعليم والدراسة. 
«كانت هذه القلعة تستخدم للمراقبة والحراسة وتتقدم التجمعات السكنية المسيحية في هذه المنطقة مثل مجمع كنائس القصير وقصر شمعون”، والكلام لا يزال للدكتور
 ثويني».واضاف «اشتهرت المنطقة وما يجاورها بكثرة الأبنية العالية التي أطلق عليها اسم قصور، على الرغم من أن كثيراً منها كان ديراً أو كنيسة مثل دير بردويل وشمعون، ولم تقتصر آثار المسيحيين في كربلاء على البردويل وانما هناك الكثير من الآثار التي تدل على وجودهم في
 المنطقة». 
خاتماً حديثه «لم يكتشف في كربلاء بناء بهيئة البردويل اقدم منه لذلك يعتبر الموقع أول بناء زقوري تمّ اكتشافه في
 كربلاء». منارة قصر «البردويل» مازالت اطلالها باقية وهي في طريقها الى الزوال، ان لم يتم الاهتمام بها والالتفات الى هذا الاثر
 التاريخي.