كآبة الدراما

ثقافة 2021/04/21
...

  د.عبد الخالق حسن
             
مع كل بداية لشهر رمضان المبارك تتنافس الفضائيات العربية لجذب المشاهدين إلى شاشاتها عبر ما تقدمه على موائدهم من أعمال تتنوع بين الاجتماعية والسياسية والاجتماعية وبعضها ربما ينتمي إلى الخيال، النقطة الفاصلة بين جميع هذه الأعمال أنها تحاول أن تكون متطابقة مع مزاج المتلقي الذي يجد نفسه أمام خيارات كثيرة تفوق ما يتناوله على مائدة إفطاره من أجل إشباع عقله وروحه قبل إشباع معدته.
سلسلة الأعمال تغطي نهار الصائم وليله حتى أنه يجد نفسه محتاراً في ترتيب أولويات مشاهدته لهذه الأعمال، حين كانت خيارات المشاهدة محدودة قبل دخول البث الفضائي للبيوت كانت نوعية الأعمال المقدمة تمر عبر لجان فحص وتدقيق لتتناسب مع الذائقة العامة 
للمشاهدين، لهذا ظل الكثير من الأعمال القديمة التي قدمت في رمضان محفوراً في ذاكرتنا إلى اليوم على الرغم من مرور سنوات طويلة على عرضها.
طبيعي أن تتحكم قضية العرض والطلب في نوعية الأعمال الرمضانية بعد الانفتاح الذي نمر به اليوم، لكن من الضروري أن تراعي الفضائيات نفسيات المتابعين بما لا يعمل على بث شحنات سلبية وموجات كآبة تعصف بهم وهم الذين قضوا يومهم صائمين بانتظار ما يجعلهم مسترخين بعيدا عن الشد والضغط النفسي.
منذ سنوات تعمل مجموعة فضائيات عراقية على تقديم أعمال ناقدة للوضع العام وبالأخص الوضع السياسي. 
الأمر جيد وممتاز وهو تمرين مستمر على الديمقراطية التي هي لليوم أهم مكتسب يجب أن نحافظ عليه بعد سنوات الديكتاتورية، لكن الحاصل أن هذه الفضائيات لا تقدم البدائل وتكتفي ببث السلبية والإحباط والبكائيات بل وحتى مشاهد العنف المفرط لمتابعيها بما يدفع أحياناً لرفع منسوب الكراهية وتهشيم النظام العام الذي نعلم جميعاً أنه يعاني من مشاكل كبيرة. 
لكن الإصلاح والنقد لايتمان عبر نشر الكآبة بل بصنع التفاؤل الذي يجب أن يكون مرافقاً لهذه الأعمال،  وإلَّا ما فائدة نقل أشياء نراها كل يوم كما هي وكأننا نشاهد نشرة أخبار سياسية وليس عملا درامياً له أهدافه التي هي في صلب اهتمام الدراما الواعية.
قد يبدو الحكم على أعمال رمضان مبكراً، لكنها في الغالب لم تختلف كثيراً عن سابقاتها في نشر الإحباط سوى القليل منها. 
في مصر أو سوريا هناك الكثير من المشكلات والصعاب التي تتطابق مع همومنا ومشاكلنا، لكن الدراما عندهم توازن بين النقد والتأشير على الخلل وبين بث الأعمال التي تساعد في الترويج للتفاؤل.
نحن مع كل عمل ناقد يحرض على عدم القبول بالخطأ والخلل، لأن من مصلحة النظام العام في العراق استمرار النقد الذي يصحح مساراته، لكن يجب أن يكون هذا النقد حاملا للحلول المضيئة ولايقف عند المناطق المعتمة 
ويغرق فيها.