رفقـا بالعالم الأزرق!

ثقافة 2021/04/21
...

 حبيب السامر
 
لا أعرف، لماذا تصر السيدة الجميلة على إرسالها أكثر من طلب صداقة الى أصدقاء عدة في ذات الوقت، مرة، بأسماء مستعارة تارة، وأخرى تدرك قربها من شخصيات تربطهم علاقات وثيقة معها. عادة، نتأمل الاسم، ندخل صفحته، نتجول.. نتابع بعض الصداقات المشترَكة بيننا.
أقف حائرا أمام هذا الإصرار في تكرار طلب الصداقة، على الرغم من أنها كانت لفترة طويلة صديقة لي في صفحتي الشخصية، لم أجد لها مرورا أو حتى إشارة معينة في وجودها الحي في الصفحة التي وصل عددها إلى الحد المقرر، الذي يدفعني الى حذف الكسولين والخاملين والموتى، عذرا أحيانا أبقي على بعض الأصدقاء الراحلين لأتذكر رسائلنا وتعليقاتنا، وهذا جزء من وفاء أرواحنا لأصدقاء أمضينا معهم لحظات جميلة.
أعود الى هذه السيدة الجميلة في صورة البروفايل لكنها تتخفى تحت اسم وهمي وشخصية نعرفها في الواقع، تعتقد/ أقصد (يعتقد) ان عالم الميديا وجد للتخفي أو لسحب الآخر الى دائرة الوهم..كثيرة هي الأمثال في عوالمنا الافتراضية فهذا العالم الأزرق المحفوف بالمخاطر، مثلما هو مدعاة نشاط وفخر ومتابعة، يتخذه البعض وسيلة ترفيهية، في حين يحوّله المنتمي لهذا العالم الى أداة مهمة ومؤثرة في الحياة العامة والخاصة، وتتحول تلك الوسائل المتنوعة والمتعددة الى نوافذ تناقش الوضع السياسي، الثقافي، الاجتماعي، تتعاشق مع المجتمع، وتكوّن أواصر فعل مؤثر في قضايا العمل والحياة، وتعمل على تقليل وكسر حواجز الجغرافية التي كانت تربك الاتصالات ولا تؤمنها سابقا، وبالمقابل انها تصيب بعض أفراد الأسرة بقلة ساعات النوم وتشتيت التركيز، وتفشي مرض باركنسون الذي يقود الى الاكتئاب والعزلة الفائقة بين أفراد الأسرة الواحدة فضلا عما يتركه من آثار سلبية كبيرة على الحياة الاجتماعية. لكن بالمقابل هناك من يستثمر هذه الخاصية الجميلة في تقريب وجهات النظر بالنقاش المستفيض والهادئ للوصول الى تفاهمات ثقافية وأدبية واجتماعية وكل ما يعزز الجوانب المشرقة في مناحي الحياة كافة، ولسنا بحاجة الى أساليب تشويه الصداقة الحقة ومكنوناتها المبهرة بطرق ملتوية تحاول أن تخترق عليك حياتك، أو أن تشوه الجمال في روحك، على الرغم من ثبات وأصالة هذه الروح المشعة بالبياض.
يبدو أن هذا التقليد أصبح في العرف الفيسبوكي/ الاجتماعي ملازماً لحركة (البوستات)، لكن ما يثير كثيرا، هو تكرار النشر في اليوم الواحد أو حتى في اليومين بأكثر من بوست، وبصور مختلفة، وتجده يتقلب في الصفحات والمجموعات، هنا وهناك محاولا نشر النص الفقير في أكثر من نافذة ويرسله لك شخصيا في (الماسنجر) كي تتابعه وتكتب تعليقا لا يزعجه، على الرغم من ظهور نصه في أكثر من مكان، وعلى العكس تماما هناك من ينشر المعلومة الجميلة والنصوص البراقة واللوحات الجاذبة والمعبرة لشخصيات محلية وعربية وعالمية، ومقالات في الترجمة والنقد، وأبواب المعرفة، ننتظر أخبار الأصدقاء بحرص كبير ومتابعة جميلة.
هذا العالم الصغير بحجم شاشة موبايل، وإذا توسع أكثر تجده بحجم شاشة الحاسوب اللوحي وقد يتعداه الى شاشات البيت، بالنتيجة، ما كنا نعتقده خارج عوالمنا، هو رهن أصابع يدك في تحريك المبحث لتجد ضالتك.. دعونا نستثمر هذه العوالم السحرية لكسر الملل والاستزادة من المعلومة المفيدة، لا أن نجعلها عنصرا يزيد من مللنا ويربك 
حياتنا.