معاناة الإعلاميَّات في السماوة.. بين التعقيدات الاجتماعيَّة وصعوبة المهنة الصحفيَّة

ريبورتاج 2021/04/25
...

  احمد الفرطوسي
إن الفترة الزمنية قليلة نسبياً للصحفيات السماويات في بلاط صاحبة الجلالة "الصحافة"، لو قورنت مع حجم المعاناة التي تلقتها الصحفيات والإعلاميات في هذه الفترة، ما سبب عزوفا واضحا للمرأة السماوية عن هذه المهنة التي يراها البعض خطا أحمر، إلا إن هناك عددا منهن شرعن في وضع بصماتهن بشكل مميز من خلال اختلاف الطرح وتميز المضمون.
هذا الاستطلاع الذي أجرته "الصباح" كشف عن عدد من نقاط المشكلة، وبؤرة المعاناة التي تمر بها الفتاة (الصحفية)، بدءاً من البيت والقيود التي يفرضها الأهل، وليس انتهاء بالتعقيدات الاجتماعية ورأي المجتمع حول قضية عمل المرأة والمساومة على دورها الأبدي للبقاء في البيت ورعاية الأطفال، والعمل الصحفي بطبيعته عمل متاعب، إذ يصطدم الصحفي، سواء الذكر أو الأنثى، بممارسات اجتماعية وسياسية خاطئة، فيحاول تسليط الضوء عليها بهدف التصحيح، ولكنه يفاجأ بأنه قد يقحم نفسه في القضية، كأنه طرف فيها، ما يعرضه للتحرش والخطر وكأنه ارتكب كبائر الذنوب من جراء قول الحقيقة في زمن الكذب، فعدم وضوح حدود ما يسمى بالخطوط الحمراء والصفراء، أيا كان لونها، هو الباب العريض الذي يدخل منه المتصيدون في وضع العراقيل أمام العمل الصحفي.
قالت الزميلة إسراء الساعدي، (مقدمة برامج) في اذاعة السماوة لـ "الصباح": "لابد من الاعتراف بأن الطريق ما زال طويلا أمامي بفعل عدد من المعوقات التي اعمل جاهدة لتخطيها، سواء على مستوى المجتمع او المؤسسة".
 
إثبات الذات
واضافت الساعدي: "لحسن حظي، لم تكن تنقصني فرصة العمل، ومع ذلك اتجهت للعمل الإعلامي، بشغف كامل مدفوعة بالرغبة بإحداث تغيير وإعطاء صوت لمن لا صوت له، وبالتالي حققت طموحي وأثبت ذاتي مع إصراري على التعليم الذاتي المستمر واغتنام الفرص السانحة". 
وبينت "بمرور الأيام انكشفت لي أسرار المهنة وأصبحت أكثر إطلاعا على خفاياها، فوجدت مثلا أن الإعلامية في السماوة لا وجود لها في الهيكل التنظيمي للمجتمع الذي يفترض أن تعمل تحت مظلته ويحميها، وبالتالي لا أمل لها بالحماية في الوقت الذي تعاني منه الأمرين، كحال زملائها في صعوبة الحصول على المعلومة نتيجة عوامل عديدة".
 مشيرة إلى أن من هذه العوامل "جهل الطرف الآخر بالدور الإعلامي وما تقدمه السلطة الرابعة للمجتمع، فتجده يتعامل مع تلك الوسائل باعتبارها مضيعة للوقت، فضلا عن الأعراف والتقاليد البالية التي ما زالت تحدد مسار الغالبية العظمى من الناس، وبالنسبة لي لا اهتم كثيرا لذلك ما دمت على صواب".
نظم وقوانين
الزميلة فرح الجبوري، (مراسلة قناة العراقية) قالت: "كانت اسرتي تشجعني على العمل في قطاع الصحافة وتشد من أزري، ثم ما لبثت أن عملت في تلفزيون المثنى المحلي قبل انتقالي إلى قناة العراقية التي وجدت فيها الأجواء المثالية من زملائي في التعاون والمساندة، وهي مؤسسة يفخر المرء بالعمل فيها حقاً".
واضافت فرح "أعتقد أن الوقت قد حان للمطالبة بالتفاتة جادة من قبل المسؤولين في الدولة إلى أوضاع المرأة العاملة في الإعلام وطرح قضيتها على طاولة البحث والنقاش، مع تأكيد أهمية وجودها الفعلي عند الطرح".
 واوضحت "لابد من إيجاد نظم وقوانين واضحة متفق عليها ومعترف بها رسميا، تحل إشكالية تهميشها أو الانتقاص منها".
 
حاجز الخوف
وبينت: "المرأة نفسها أضافت إلى معاناتها عندما خضعت للضغوط ولم تسع إلى تطوير نفسها ومعرفة حقوقها، لا بل والمطالبة بها وتركت الساحة لمن لا تخدم قضيتها، بل وأحيانا تسيء لمكانة المرأة العاملة، و كشفت لي الخبرة أن المرأة عندما تعكس مهنية عالية وثقة بالنفس تفتح لها حتى الأبواب المغلقة، وعلمتني التجارب أيضا أن الإعلامية عندما تكسر حاجز الخوف وتتمرد على المفاهيم الخاطئة تصل وتكسب احترام المسؤولين على كل المستويات".
 ولفتت الى أن "تجربتي في إذاعة وتلفزيون المثنى خير دليل، فقد وجدت كل الاحترام والتقدير  من الزملاء الصحفيين، وليس ذلك بالمستغرب على أناس مهنيين يعلمون ما هو دور المرأة في بناء المجتمع".
 
خروج عن المألوف
 مراسل قناة العراقية في المثنى، علي كريم، قال: "نسبة المرأة الإعلامية أو الصحفية بشكل خاص، تكاد أن تكون معدومة على مستوى العراق بشكل عام، وليس في المحافظة فقط، وهذا برأيي ناتج عن عاملين، أولهما صعوبة المهنة باعتبارها على تماس مع الشارع ومع المواطن والمسؤول بالوقت نفسه، وثانيهما التقاليد الاجتماعية التي ترى أن قيام المرأة بمثل هذا الدور هو خروج عن المألوف".
واضاف "أما نحن كصحفيين فإننا نرحب بعمل المرأة في مجال الصحافة، لا بل ونشد على يد أي فتاة تدخل إلى هذا المجال، لكن ما يؤسف له ان المرأة في المحافظة لا تريد لنفسها ممارسة هذه المهنة، خوفا من التقاليد الاجتماعية، أو من صعوبة المهنة".
 
زمام المبادرة
أما مدير مكتب مؤسسة المربد في المثنى، تركي حمود المشعلاوي، فقال: "لا أعتقد أن هناك فرقاً بين عمل المرأة كإعلامية أو عملها في أية مهنة أخرى، بل على العكس، فقد تكون المرأة في المجال الإعلامي أكثر نفعا وجدوى، كونها تطالب من موقعها الذي يتيح لها إيصال صوت بنات جنسها في المجالات الإنسانية كافة".
وأضاف: "أما التقاليد الاجتماعية التي ترفض عمل المرأة في المحافظة، فليست بالأمر الجديد، لكنها لا يمكن أن تكون حجر عثرة أمام ظهور وبروز جيل جديد من زميلاتنا الصحفيات، ويبقى المهم زمام المبادرة الذي يجب أن تمتلكه المرأة نفسها، فهي أساسا قد لا تريد الولوج بمثل هذه المهنة التي أراها شاقة بالفعل، لأنها تحتك بشرائح عديدة من المجتمع، ما يتطلب من المرأة جرأة أكثر وجدية اكبر".
مشيرا إلى إننا كمؤسسات إعلامية نرى "أن هذا الوقت بالذات يحتم على المرأة الانخراط في مهنة الصحافة والإعلام، لتشارك بشكل فعال في بناء صرح إعلامي يرتكز على المساواة والحرية".
 
الإصرار والتحدي
وبين المشعلاوي: "بقدر تعلق الأمر بنا، فقد اسهمنا بتدريب وتأهيل العديد من الزميلات اللواتي أثبتن رغبة وإصرارا في دخول مهنة البحث عن المتاعب".
 مستدركا "لكن القليلات جداً فضلن مواصلة الإصرار والتحدي، ويقيناً فان السنوات المقبلة ستشهد بروز أسماء جديدة لزميلات يمكننا أن نفخر بهن وبأدائهن".
إلى هنا تبدو الآراء بشأن عمل المرأة في الإعلام شبه متفقة حول صعوبة المهنة ونظرة المجتمع السماوي للمرأة، لكن المراهنة على نجاحها وتفوقها في منافسة زملائها من الرجال لا تزال قائمة.