صفقات دولية عن بدائل لقناة السويس

بانوراما 2021/04/25
...

  ترجمة: مي اسماعيل
لا تعني حقيقة أن أزمة انسداد قناة السويس قد تم حلها في غضون أسبوع انتهاء التكهنات حول الطرق البحرية. أزمة سفينة الحاويات العملاقة «إيفر غيفن-Ever Given»  التي جنحت في قناة السويس، وتحريرها بعدما أغلقت تماما مسار جميع السفن الاخرى لمدة ستة أيام، أعادت الى الواجهة الحديث عن ايجاد بدائل لهذا الممر البحري؛ كان من ضمنها مشروع قناة «بن غوريون» الذي طرحته إسرائيل، ليربط بين البحرين الاحمر والمتوسط. يقول الخبراء أنه كلما تعرضت قناة السويس الحيوية؛ التي تستخدمها نحو 19 ألف سفينة سنويا لتنقل ما يوازي عشرة بالمئة من التجارة العالمية؛ للانسداد لأي سبب كان، تظهر البدائل تلقائيا. فالإسرائيليون يدفعون مشروعهم قدما، ويعدونه ليكون منافسا لقناة السويس؛ بحجة أن المسافة بين ميناء إيلات الاسرائيلي وبين البحر المتوسط ليست طويلة، وأنها مماثلة لمسافة اتصال قناة السويس بين البحر الاحمر والمتوسط.
تخطط اسرائيل لجعل تلك القناة مشروعا متعدد الأوجه؛ إضافة لجعله يلعب دورا تجاريا متحديا لقناة السويس، ويهدفون لبناء مدن صغيرة وفنادق ونواد ليلية حول المسار المائي. ويرى المحللون أن تقليل مصر من أهمية المشروع الاسرائيلي لا يخفي الخطر الذي يمثله على قناة السويس وعائداتها البالغة ستة مليارات دولار سنويا. ومن المحتمل أيضا أن القناة البديلة قد تنال دعما اقليميا ومن الاردن؛ التي تواجه صعوبات اجتماعية واقتصادية. فقد تجد عمّان هذا المشروع طريقا للخروج من الازمة؛ بعدما فشلت في حشد الدعم العربي الكافي لإسناد وضعها الاقتصادي. وليس من المستبعد أن ينال المشروع الاسرائيلي أيضا موافقة السعودية؛ التي يهدف مشروعها العملاق على البحر الأحمر الى تحويل مدينة «نيوم» الى وجهة سياحية جاذبة. وقد يقف المشروع السعودي عند مسافة قصيرة من الطرف الإسرائيلي الجنوبي لقناة بن غوريون المقترحة في إيلات.
 
تطميناتٌ مصريَّة لشعبها
سعى الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» لتهدئة مخاوف المصريين حول البدائل التي قد يضطر أصحاب السفن العالمية لإيجادها بعد حادثة انسداد قناة السويس وعرقلة الملاحة لعدة أيام؛ قائلا: «نجح المصريون بإنهاء أزمة السفينة التي جنحت في القناة، وأعادوها الى مسارها الطبيعي. وهذا سيُطمئِن العالم بشأن نقل بضائعهم واحتياجاتهم عبر هذا الشريان الملاحي المحوري». بدا السيسي وكأنه يُلمّح الى مشروع بن غوريون؛ خاصة منذ استخدام اسرائيل أزمة السفينة للاعلان عن بدء العمل بمشروعها. هذا زاد من الضغط على القاهرة ودفعها لاصدار التطمينات. 
ليست فكرة القناة الإسرائيلية لربط البحر الأحمر بالمتوسط بالجديدة؛ إذ نشرت صحيفة «بزنس انسايدر» الاميركية مؤخرا فحوى مذكرة سرية تنص أن الولايات المتحدة درست منذ عقود طويلة مقترحا لشق مسار مائي إسرائيلي لينافس قناة السويس؛ بتفجير قنابل نووية في صحراء النقب. ووفقا لتلك المذكرة الأميركية الصادرة سنة 1963، والتي رُفِع الحظر على نشرها سنة 1996؛ كانت الخطة تقترح استخدام 520 قنبلة نووية لحفر «قناة البحر الميت عبر صحراء النقب». وجاء فيها التالي..: «إنه لتطبيق مثير للاهتمام للتنقيب النووي، سيؤدي لفتح قناة على مستوى سطح البحر بطول 258 كم تقريبا عبر إسرائيل»، وإن استخدام الوسائل التقليدية للحفر سيكون.. «باهظ التكاليف». اقتبست الصحيفة عن المؤرخ  الاميركي « أليكس ويلرستين» أن تلك الخطة كانت ستكون مقترحا أنموذجيا لحالة قناة السويس»،  التي أُغلقت أمام الملاحة بعد حرب العام 1967 لمدة ثماني سنوات. القناة المقترحة كانت ستفتح ممرا الى البحر الاحمر والمحيط الهندي؛ وبذلك تُنهي اغلاق قناة السويس. 
عبر المصريون عن قلق عمومي حقيقي تجاه احتمال إنشاء قناة إسرائيلية؛ إذ قال الأستاذ المصري «أحمد فؤاد أنور» المختص بالشؤون الاسرائيلية لموقع «ذا آراب ويكلي»: «التقارير التي شككت بقدرة مصر على حل أزمة السفينة العالقة صاحبتها شماتة إسرائيلية وتكهنات غير رسمية بضرورة بناء القناة؛ لكن تلك التكهنات تراجعت بعد نجاح القاهرة في التعامل بحكمة مع الأزمة». وأضاف: «لقد بقيت قناة السويس مغلقة بوجه الاسرائيليين والمجتمع الدولي لسنوات عديدة، ولم يتم الشروع قط بإعداد مسارٍ بديل؛ لأن مُصدري الطاقة لم يشعروا بالحماس تجاه ذلك، وسيشككون بقدرة (المشروع البديل) على منافسة قناة السويس؛ ناهيك عن المخاوف الأمنية». 
 
البديل الروسي
أشارت مذكرة الستينيات الاميركية في حينها أن احدى المشاكل التي لم يأخذها واضعو المقترح بعين الاعتبار كانت «الجدوى السياسية؛ إذ أن من المرجح اعتراض الدول العربية المحيطة بإسرائيل بشدة ضد انشاء مثل تلك القناة». وعلق اللواء «عصام بدوي» أمين عام جمعية الموانئ المصرية مؤخرا بأن: «الحديث عن قناة اسرائيلية أمر قديم؛ يعتمد على طبيعة التربة في موقع المشروع ومستوى البحر؛ وهما أمران يعرقلان قيام المشروع حتى الآن، وإن الحديث عن البدائل اشتد نتيجة لحادثة السفينة؛ والحوادث أمر معتاد في ممرات الشحن الدولية. وستبقى القناة المصرية الممر الملاحي العالمي الأكثر أهمية، وقد يصل مجمل التجارة المارة عبرها الى 12 بالمئة من حجم التجارة العالمية؛ بزيادة نحو اثنين بالمئة فوق حجمها الحالي».  
تتحدث اسرائيل حاليا عن مد خط سكة حديد يربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط؛ لكن يُنظر إلى هذا المشروع على أنه بديل غير محتمل لقناة السويس؛ طالما ان نقل حاويات الشحن برا سيتطلب ضعف الوقت المستغرق منه بواسطة الناقلات البحرية العملاقة. في تلك الأثناء تتعمق موسكو بخطتها لاقامة المسار البحري الشمالي على طول ساحل روسيا القطبي كبديل لقناة السويس؛ وهي فكرة دفعها قدما الرئيس «فلاديمير بوتين» منذ بعض الوقت. استغلت روسيا زحمة تكدس 380 سفينة التي تسبب بها جنوح الناقلة «إيفر غيفن» لإعادة تسويق الخطة الروسية عالميا؛ واعدة بضمانات مؤكدة بالسلامة وسلاسة الحركة وانخفاض الكلفة. وشددت شركة «روساتوم -Rosatom  ) الروسية على أهمية الطريق البحري الشمالي كحل سحري لازدحام المرور البحري على قناة السويس مؤخرا. فالمسافة على المسار البحري الشمالي من الصين الى الموانئ الأوروبية أقل بنحو أربعين بالمئة؛ لتقلل نحو 15 يوما من رحلة الإبحار من آسيا الى أوروبا مقارنة بالمرور عبر الممر المائي المصري. وبوجود التحول المناخي تزايد خلو المسار القطبي من الثلج، كما وعدت روسيا بإرسال كاسرات الجليد لنجدة أي سفينة تعلق فيه. وتخطط موسكو منذ الآن لاستخدام هذا المسار لتصدير نفطها وغازها. 
 
موقع «ذا آراب ويكلي»