إطلالة حقيقيَّة لمجتمع ينتصر بالثقافة على الحرب

ثقافة 2019/02/11
...

بغداد/ فريق العمل
 
ظواهر كثيرة يمكن لزائر معرض بغداد الدولي للكتاب أن يرصدها في خضم تظاهرة ثقافية مفرحة تزدحم بها اروقة المعرض، فما بين تجمهرات  توقيع الكتب والعناوين الجديدة الجاذبة وطرق العرض المتميزة وتصميم الاغلفة الملفت للانتباه والتي تميّزت بها أكثر من دار، بينما ارتضى البقية وهم كثير الاحتفاظ  بعدد محدود من التصاميم لكتبه. كما لفت انتباه فريق عمل "الصباح" الاقبال الشبابي لعدد من الكتب ونتاج بعض المؤلفين دون سواهم، ناهيك عن ابتعادهم عن الكتب والدراسات المهمة والاقتراب اكثر من الكتب القريبة من تطلعاتهم ومزاجهم، بغض النظر عن اسم الكاتب وتجربته، فمؤلف له اكثر من عشرين كتابا في صنوف الادب والمعرفة وهو اسم معروف في الساحة الثقافية العراقية لم يجذب عند حفل توقيع كتابه الا القليل بينما تشهد حفلات توقيع كتب شعراء شباب مثلا استقطاب الكثير من الشباب. ظواهر كثيرة تحتاج الى تحقيقات موسعة للوقوف عندها. تجولت "الصباح" لتقف عن اراء بعض الزائرين ودور النشر ومتابعة النشاطات الأخرى.
 
أسعار متفاوتة
اشتكى بعض زوار معرض بغداد الدولي للكتاب من ارتفاع أسعار "بعض" الكتب المهمة بنظرهم، وخاصة الروائية. ويقول عباس حسن، وهو أحد روّاد المعرض، إنّ: الكتب المترجمة وكذلك الروايات، قد شهدت ارتفاعا كبيرا في أسعارها عن العام الماضي، إذ تعدت أسعار بعضها (١٢) دولارا أميركيا. بينما تحدثت وسن طارق، وهي طالبة جامعيّة عن غلاء الأسعار، وقالت إنّ مكتبات المتنبي قد وفرت الكتب بأسعار مناسبة جدا، وخاصة للطلبة محدودي الدخل.
بينما يرى آخرون عكس ذلك، معتبرين أنّ اعلان وزير الثقافة والسياحة والاثار الدكتور عبد الامير الحمداني عن الغاء زيادة الرسوم الكمركية على الكتب المستوردة والبالغة (١٥) بالمئة، وارجاع الرسوم إلى وضعها الأصلي بنسبة (١) بالمئة، بادرة ستتيح الفرصة لإقبال الناس على شراء الكتب من المعرض.
وبحسب مسؤولي دور نشر، فإنّ المعرض يشهد إقبالا كبيراً على الكتب، وأن ما تم عرضه من الكتب كان بأسعار مدعومة ومناسبة، ومنهم المحلية كدار "سطور" للنشر التي أكد أصحابها أنّ الدار قد أعلنت عن خصومات بالأسعار وجهّزت الكثير من العروض الخاصة، بينما تحدثت بعض الدور السورية والمصرية بأن الأسعار جاءت مناسبة هذا
 العام.  
وقال الإعلامي طالب كريم والمشرف على جناح دار الشؤون الثقافية المشاركة في معرض بغداد الدولي للكتاب، إن: الدار تعرض كتبها بأسعار رمزية ومنخفضة جدا، كرسالة تحمل قضية التشجيع على اقتناء الكتب وتجدد الدعوة للقراءة. 
ومن مصر التي حضرت بقوة في معرض بغداد لهذا العام، التقت "الصباح"  بالاستاذ ميلاد يونان من منشأة المعارف المصرية، قائلاً، هذه المشاركة الاولى للدار التي تأسست في العام 1958، اذ حرصنا على المشاركة بـ 400 عنوان توزّعت بين القانون والطب بفروعه والزراعة والهندسة الرياضية والاقتصاد والادراة والفلسفة وعلم النفس. واشاد يونان بالتسهيلات التي قدمت لهم وبقرار تخفيض الضريبة المضافة على الكتاب خدمة للقارئ بالدرجة الاولى.
هذه المشاركة النوعية الثانية لنا كـ " دار سطور"  قال، ستار محسن علي، وتميزت عن سابقاتها بالاستعداد المبكر للمعرض واهم مفصل فيها هو ضخ عناوين حصرية وجديدة للمعرض  تجاوزت 17 عنوانا جديدا من مجموع 450 عنوانا نشارك بها في هذا المعرض، توزعت بين التاريخ والنقد الثقافي والادبي ونقد الفكر الديني والسرد والشعر واهمها مشروعنا في توثيق الشعرية العراقية الذي ابتدأ بالشاعر موفق محمد  ولا ينتهي عند الشاعر الكبير عريان السيد خلف. وعن نشر المجموعة الكاملة للشاعر عريان السيد خلف، اوضح، تم الاتفاق مع الشاعر قبل وفاته وتم انجاز ما يتعلق بالحقوق والعقد، ثم رحل عنا، واستجابة لنداء الاصدقاء لاقتناء مؤلفاته اطلقنا قبل ايام هاشتاك، وسلمت المبيعات والحقوق مباشرة  بعد اتمام حفل التوقيع الى عائلته فضلا عن عهدنا ان نعيد طباعة نتاجه.
 
كتب مزورة
وقد أعلن منظمو المعرض باكتشاف جناحين مشاركين في معرض بغداد الدولي للكتاب قد عرضت كتباً مزورة، وهذا ينتهك الحقوق الملكية الفكرية، مما أدى الأمر إلى أغلاق الجناحين واستبعادها من المشاركة، وهما دار رسلان سوريا، ودار الكتاب العراقي للكتب المسيحية. 
وهو ما يؤكد أن الكتب المشاركة في معرض بغداد الدولي للكتاب هي كتب أصلية وغير مزورة، وأن ما قد يتم عرضه خارج المعرض وتحديداً في بعض مكتبات شارع المتنبي بسعر أرخص قد يثير الشكوك باحتمالية أن تكون كتبا مستنسخة أو مزورة أو
 المقلّدة.
وقد تبنّت الكثير من دور النشر العراقية، إقامة وتنظيم حفلات لتوقيع الكتب بشكل مجاني، ويعتقد أصحاب هذه الكتب أو مؤلفوها، بأنّ القليل من الناس أو زوار المعرض يقتنون الكتب التي تُعنى بالشعر تحديداً مقابل مبلغ من المال، وأن غيرهم يبحث عن أسماء معينة ليشتريها، ولا يفكّر بتجربة قراءة الجديد من الاصدارات. 
 
توقيع كتاب
وفي جناح دار قناديل بمعرض بغداد الدولي للكتاب أقيم للمفكر والباحث غالب الشابندر حفل توقيع الجزء الثالث من كتابه "خسرت حياتي"، بحضور كبير من زوار المعرض. والكتاب عبارة عن مذكرات تكشف الكثير من الاسرار المتعلقة
 بالأحزاب.
أيضا احتفت "دار قناديل" بالروائي والقاص الدكتور سلمان كيوش، إذ نظم لروايته "عرگشينة السيد" حفل توقيع وبحضور كبير من الادباء والمثقفين. 
كما نظم جناح "دار النخبة للطباعة والنشر" مساء الاحد حفل توقيع للشعراء: الشاعر ميمون صالح عن ديوانه "لا نصف لك الآن"، والشاعر رحيم الربيعي وديوانه " أنا آخر من لوح لليل"، والشاعر أحمد حميد الخزاعي وديوانه "أشش لا توقظوا الحرب"، بحضور العديد من الادباء وزوار المعرض. وقال الشاعر رحيم الربيعي إنّ "حفل التوقيع كان بشكل مجاني، دعما للثقافة العراقية وكسرا لارتفاع أسعار الكتب". وبحضور واسع، أيضا، تم الاحتفاء بكتب الدكتورة هناء خليف غني وتنظيم حفل توقيع ترجماتها، في جناح المركز الأكاديمي للأبحاث في معرض بغداد الدولي للكتاب. والكتب المحتفى بها هي: "ما الذي يفعله الانثروبولوجيون، على خطى السيدة زينب، ظاهرة العنف في المجتمعات المعاصرة، الأعلم بين الشيعة، أنثروبولوجيا الجنس، الأنثروبولوجيا التربوية".  
 
رسائل ثقافيَّة
أشاد الفنان والمخرج المسرحي محمود ابو العباس، بدور النشر المشاركة في معرض بغداد الدولي للكتاب، لحسن عرضها للكتب والمطبوعات المتنوعة ما بين "الثقافة والفن والسياسة والاقتصاد وقصص الاطفال والالعاب الفكرية التعليمية" وغيرها، قائلا: سعادتي لا توصف وانا اشاهد اعدادا هائلة من الحضور لاقتناء الكتاب، وهذا دليل على حيوية هذا البلد، والعراقيون يثبتون بأنّهم محبون للحياة والثقافة، وهو ايضا دليل على ان المعرفة مازالت مطلبا حقيقيا للحياة.
كما اشار ابو العباس، الى اقتنائه مجموعة من ابرز العناوين التي تعود لنخبة من أهم الكتاب العراقيين، أمثال رواية  "ترتر" لنزار عبد الستار، التي وصلت في القائمة القصيرة المرشحة لجائزة الشيخ زايد، ورواية "النوم في حقل الكرز" لازهر جرجيس، فضلا عن كتاب "الرواية والسينما" للدكتور طه حسن الهاشمي، مؤكدا على وجود عناوين كثيرة ومغرية لايمكن عدها واحصاؤها وانتقاؤها جميعا، لكن عندما نتواجد في معرض الكتاب نشعر بضآلة معرفتنا، ونحن لانستطيع ان نقرأ جزءا يسيرا من هذا الكم الهائل من الكتب، لافتا خلال حديثه، الى ان مثل هكذا مهرجان ثقافي يعد اشارة كبيرة للدولة كونه يؤسس لحاضرة ثقافية مهمة، وهي رسالة مهمة ايضا لوزارة الثقافة بان تعضّد الفعاليات الاخرى، فضلا عن الكتاب في المسرح والسينما والتلفزيون وحتى الاذاعة والمهرجانات الشعرية والموسيقية والتشكيلية.
 
شذى حسون
فيما عبرت المطربة شذى حسون، عن سعادتها بزيارتها معرض بغداد الدولي للكتاب لاول مرة، وبالوجود العربي والدولي في بغداد وخصوصا في هذا المحفل الثقافي، وهذا دليل على ان العراق يعتاش الامان وهي رسالة لكل العالم بأن العراقيين متحابون وأخوة، مبيّنة شعورها بالمسؤولية لدعم ابناء بلدها من خلال الحضور وزيارتها للمعرض الدولي للكتاب، لتكشف خلال حديثها عن هوايتها لقراءة الروايات والموسيقى، لكنها هذه المرة جذبها عنوان كتاب يحمل عنوان "قلعة الاسود" وهو اشبه بكتاب توثيقي لمرحلة انتصارات العراقيين على مجاميع داعش
 الارهابية.
 
شعراء الحداثة
الكاتب فاضل ثامر، قال: سعيد بالمشاركة وتوقيع كتابي النقدي الصادر هذا العام، بعنوان "رهانات شعراء الحداثة" في جناح اتحاد الادباء والكتاب العراقيين الحاضر بقوة في معرض الكتاب، مبينا ان كتابه النقدي تضمن قراءة شعرية ونقدية لابرز شعراء الحداثة، امثال "بدر شاكر السياب، وفاضل العزاوي، وسركون بولص، وموفق محمد، وكاظم الحسن، وفوزي كريم، وخزعل الماجدي، وعمر السراي، وعارف الساعدي، وطالب عزيز" وعدد كبير من الشعراء الذي تناولهم باسلوب النقد الحديث الذي بين فيه نزوع شعراء الحداثة بتحقيق تجاوزات مهمة على مستوى اللغة والصورة والفكرة، وكانت هذه تجربة تدلل على خصوبة التجربة الشعرية العراقية وتفوقها على التجارب الحديثة
 العربية.
اما بخصوص انطباعه الشخصي على معرض بغداد الدولي للكتاب، قال:" اعتقد ان دورة هذا العام ناجحة وموفقة الى حد كبير، لانها كانت اكثر تنظيما وتشهد يوميا حضورا جماهيريا لافتا، وهي بشارة جيدة على اقبال المواطن العراقي للقراءة".
 
 
الصوائت والصوامت
وخلال تجوالنا بين اروقت اجنحة دور النشر، تعالت اصوات لنخبة من الشباب يشاركهم الفنان فاضل عباس وهم يتجولون بين "النصب"، ويلقون قصائد شعرية عديدة باسلوب قريب للطرح المسرحي، ليكتشف الجميع بان هذه المجموعة الشعرية هي من الاصدار الجديد للشاعر علي وجيه والتي تحمل عنوان "الصوائت والصوامت" بعد ان اختتم هذه القراءات بمشاركته وتوقيعه الكتاب في دار الرافدين، والتي اهداها الى روح الشاعر رعد عبد القادر.