ذهنيَّة الفنان المتفرِّدة والمتجدِّدة

ثقافة 2021/04/25
...

  فاضل ضامد
 
بين انثيالات الرسم هناك دائماً انزياح آخر يصب في جعبة الفنان وتاريخه العميق لأعماله الفنية، ربما تولد عن الخزين الفكري الذي جاء عن طريق ثقافته الفنية ومجساته الحسية، وبذلك تجده ينفلت عن المواد ـ مثل الزيت والاكرليك ـ لذا فهو ينحاز او يلوذ الى براعة أخرى لانتاجها، ثم نكتشف أن هذه المواضيع ابتعدت تماماً عما هو متخيل لدى المتلقي عندئذ ستكون الدهشة بمشاهدة أعمال عُملت واشتُغلت على حواسيب وبطريقة بارعة، نجد الفنان بذهنية فنية متجددة من خلال الحاسوب يضع إضافةً جديدة بارعة.
لذا نجد الفنان الرقمي يعمل بطريقتين وبخطين متوازيين بين ما هو أكاديمي، المتمثل بالمواد الخام للتنفيذ وكذلك اللجوء الى الحاسوب وليس هناك ضرر في ذلك، فكلاهما في هذه المرحلة رقميّان بطريقة العرض الافتراضي. في أعمال الفنان إحسان العبودي هناك رؤى متشظية وبالأخص في أعماله الرقمية، وهذه جاءت لاجتهاده والبحث المتواصل عن المواضيع المختلفة ضمن حدود البيئة والتركيبة الاجتماعية المختلفة من حيث الاشكال والالوان والمواضيع، فمنها ماهو شعبي ومنها نجده في يومياتنا، وهناك المقدس والتراث ومواضيع متنوعة وكثيرة. لا يختلف اثنان على سحرية العمل الفني الرقمي حصراً عند الفنان احسان العبودي فهو يتعامل مع المتلقي على أنه جزء من المشهد، وإحدى الشخصيات التي تضمنتها أعماله ولكونه مدرساً في معهد الفنون الجميلة له الأثر الكبير في خلق جيل واعٍ يتحسس أعمال الفنان واكتشافاته الجديدة.
(قهوة ودلال، فتاة من الأهوار، الهلاك، العازفة، حروفيات، اللحن الشجي، الميمون، ذات الخمار، جذور وأغصان، تشظي، الجدار) كل هذه السلسلة المترابطة جمالياً والمختلفة حسياً نجدها عناوين لأعماله الفنية الرقمية، وهي اشتغالات جاءت على هامش أعماله الزيتية، لو تفحصنا عمل (فتاة من الأهوار) نجد هناك مساحة شاسعة خلف الفتاة من أفقٍ ومدى وأجمات وهي مرموزات دلالية تؤكد اختيار الفضاء في العمل الفني في مكانه المناسب وبين الكتلة والفراغ هناك توثيق بصري يخضع لمعطيات فنية تمظهرت من خلال قدرة التشكلات الجمالية في هذا العمل وأعماله المتوالية، لم يخرج الفنان من اللوحة الا ويؤكد حضور اللون كدلالة مهمة، فالأزرق في رداء الفتاة يفضح الفنان بشكل سريع عند المتلقي لاكتشاف ان الرداء هو زي ريفي وما أجمله من خطاب. 
الفنان احسان العبودي يخوض تجربة المدارس الفنية في العمل الرقمي يتنقل بحرية صادقة وبلغة انتماء واضحة، فنجد التعبيرية تنمو من تلاعبه بالصور مثل لوحة (أغصان وجذور) مثلت اللوحة الترابط بين الجديد والقديم بين الامتداد والقوة والعلو والرفعة هي هكذا يؤولها المتلقي الواعي ببساطة إلا أنها تجاوزت ذلك فهي مكنونات نفسية ملتصقة لا تنفصل عن دواخل الفنان.. التعبير عند الفنان تمَرّدَ كثيراً على أكثر المدارس في أكثر اللوحات.
في أعماله الزيتية يتجسد الانسان والحيوان والطير على شاكلة واحدة، ففي لوحة حمامة السلام العالمي المعنونة هكذا الدلالة التي وقعت هنا هي النافذة والطير، أما بقية اللوحة فهي نصوص هائمة تجميلية،  النافذة المدلول العام والحمامة الدالة المعنية للخاص، هنا يقصد الفنان المعنى الكلي الذي تجسد في الحمامة رغم الابتعاد عن اللون الأبيض للحمامة باعتباره لون المحبة والنقاء والسلام، لكن الفنان أخذ الجانب المسالم في الحمامة ووداعتها وهذا يخصب المعنى نحو ابتكار جمالي جديد؛ ولذلك دخلت هذه اللوحة ضمن مسابقة عالمية مهمة.
هناك أعمال زيتية معنونة عند الفنان مثل (حروفيات، نظرة أمل، واخرى كثيرة) لو تأملنا لوحة حروفيات من المؤكد اننا نكون بزاوية ميل حادة نحو التجريدية، الحرف هو بطبيعته حرفٌ مجرّدٌ أُختير ليتناسب مع لفظةٍ تعوّدها اللسان فأصبح شكل الحرف دلالة رمزية لهذه الألفاظ، ومن خلال سبر لوحة حروفيات نجد تجانسا بين الفضاء المفتوح والحرف المتدلي ليكوّنا جواً ساحراً من الاتحاد فيتم ادهاش المتلقي بين الشكل والمضمون.
أعمال الفنان إحسان العبودي بين الرقمي والزيتي تمتاز بأسلوب ذي بصمة معلنة وواضحة إلا أنه: نجد هنالك تباين وطروحات مختلفة في أداء العمل الفني فهو من النوع الذي يتميّز بقابلية القفز من اسلوب الى آخر مع ثابت بصمته التي تمثل تاريخه الروحي للعمل الفني.