عفاف مطر
لو تم إجراء تجربة عادية على مجموعة كبيرة من القردة، مثلاً يتم وضع ألف قرد في متاهة، نهاية المتاهة كومة من الموز، القردة ستنتشر بصورة عفوية، ولنقل مثلاً إنَّ خمسمئة قرد فقط استطاع الوصول الى تلك الكومة من الموز، وأعدنا إجراء هذه التجربة عدة مرات، حتى لا يتبقى في النهاية سوى قرد واحد، تستطيعون أنْ تتخيلوا حين يتم نشر هذه التجربة، ما يمكن للإعلام أنْ يصنع من هذا القرد، الذي لم ينجح إلا بالصدفة، فهو في حقيقة الأمر لا يختلف كثيراً عن القردة الذين لم يستدلوا على نهاية المتاهة وكومة الموز، لكنكم ستجدون تقارير مصورة ولقاءات مع هذا القرد حتى يصبح نجماً إعلامياً يحسده كبار الفنانين والكتَاب، وسيؤلف عنه مختصو التنمية البشرية مؤلفات ومؤلفات، وربما نرى في شارع المتنبي ذات يوم كتاباً تحت عنوان (المفاتيح العشرة للقرد
الناجح).
مع ذلك اخترت كتاباً أراه منطقياً الى حدٍ ما وهو كتاب (خرافة الكاريزما) من المصطلحات التي كُتِب عنها كثيراً وتناولها مدربو التنمية البشرية مصطلح
(الكاريزما).
لنرجع في الزمن الى الوراء قليلاً الى يوم الواحد والعشرين من شهر شباط/ فبراير عام 1961، في مدينة نيويورك الأميركيَّة، وعلى أشهر مسارحها تم اغتيال رجل من أشهر الرجال المؤثرين في تلك الفترة الصعبة من التاريخ الأميركي، وهو مالكوم أكس، تأثيره هذا هو الذي أدى الى اغتياله في النهاية.
كان يسهل على مالكوم التأثير وبقوة وبسرعة في الجماهير، العديد عزا قوة التأثير هذه الى الكاريزما.
الكاريزما ببساطة والتي تعني (الشخصية الجذابة) تجعل إنساناً ما يترقى في عمله ويأسر من حوله أكثر من شخص آخر لديه مقومات علميَّة وخبرات عمليَّة أكثر من الشخص الأول، وهذه حقيقة ملموسة، أغلبنا رأى وسمع بمثل هؤلاء الأشخاص، أعني أصحاب
الكاريزما.
أوليفيا فوكس في كتابها (خرافة الكاريزما) تقول إنَّه من الأفكار المغلوطة والمنتشرة بين العوام، أنَّ الكاريزما تُولد مع الإنسان وليست مكتسبة، لكنها تؤكد أنه لا يوجد إنسان مولود ومعه الكاريزما بالفطرة، كما تؤكد، أنه حتى أصحاب الكاريزما لا يمكن أنْ يكونوا حاضرين وجذابين طوال الأربع والعشرين ساعة. تقول اوليفيا إنَّ الكاريزما هي
(Behaviors) أي سلوكيات، سلوكيات يستطيع الإنسان أنْ يكتسبها ليستطيع التعامل مع المواقف المختلفة التي تواجهه في حياته، وإنَّ أولئك الأشخاص الذين نعتقد أنَّ الكاريزما ولدت معهم، هم في الحقيقة اكتسبوا تلك السلوكيات عبر البيئة التي تربوا فيها، ولم تولد معهم
أبداً.
تلخص اوليفيا الموضوع بثلاث نقاط، إذا تعلمها أي شخص حينها يمكن أنْ يطور من شخصيته، ويصبح من أصحاب الكاريزما، أولاً: Presence أي الحضور؛ الفرق بين الإنسان الذي لديه حضور وذلك الذي لا يملك حضوراً، إنَّ صاحب الحضور يُشعر المقابل بأنه أقوى أو أذكى رجل في العالم، أما الثاني، أي الذي لا يملك حضوراً فيجعل المقابل يشعر بأنه أضعف منه، وهو عكس الأفكار السائدة، فمن الطبيعي أنَّ الناس تميل الى الأشخاص الذين يلهمونهم ويمدونهم بالمشاعر الإيجايبيَّة وليس
العكس.
ثانياً: Power القوة؛ الكتاب يشير الى دراسة أجرتها mit media lab على الكثير من موظفي التسويق، وأشارت الدراسة الى أنَّ لغة الجسد
the body language تكون ذات تأثير قوي على توقعات النتائج، وانه لتعزيز القوة يجب تعزيز القدرة في التحكم على لغة الجسد، وأنَّ أغلب البشر لا يدركون حقيقة أهمية لغة الجسد، بسبب (متلازمة الاحتيال)، بمعنى أنَّ الكثير من الناس لا يثقون في أنفسهم وبالتالي يقومون بحركات جسدية تجعل المقابل لا يثق بهم ويفقد جزءاً كبيراً من قوته حتى لو كان صادقاً، ولكي يكون الشخص ذا كاريزما ويحقق نقطة القوة، عليه مراجعة والسيطرة على لغة جسده.
الحضور والقوة لا يكفيان لكي تكون عزيزي القارئ من أصحاب الكاريزما، إذ عليك أنْ تكمل المثلث بالنقطة الثالثة وهي: Warmth أي الدفئ، ولن تكون من أصحاب الكاريزما ما لم تكن شخصاً دافئاً أي شخصاً تتعاطف مع من حولك ولديك القدرة على تفهم مشاعر الآخرين، ولن يفيدك أنْ تمثل أنك متعاطف، إذ إنَّ المشاعر المزيفة سريعاً ما تُكتشف. بيني وبينكم ما أعجبني في كتاب أوليفيا أنها تخلص الى نتيجة مهمة، وهي: إذا كنت عزيزي القارئ المتهافت على كتب التنمية البشريَّة وفيدواتها، تعتقد – حسب رأي أوليفيا- أنَّ فقدانك الكاريزما سيقلل من فرص نجاحك، أو إنْ كنت تعتقد أنَّ امتلاكك للكاريزما ستُعجل من نجاحك، فأنت في الحالتين مخطئ! الكاريزما هي مجرد أداة تفيدك فقط حين تعرف متى وأين تستعملها.