ضحى عبدالرؤوف المل
تسعى الرومانسية الجديدة في الأعمال الأدبية والأعمال الدرامية خاصة الى فهم الواقع من خلال المنطق، ونوعيات الحقائق التي ترتكز على المشكلات الاجتماعية والسياسية، ومدى قوة الوسائل في اكتشافها خاصة. كما أنَّه في الآونة الاخيرة ارتكزت الأعمال الدرامية على العنف خاصة أو أعمال العصابات والبلطجة، وعشوائيات الشوارع الشعبية، والتنمر بين أفرادها، بحيث فقدنا الرومانسية في الكثير من الأعمال الأدبية والدرامية خاصة.
فالرومانسية وتجديد العلاقة بين المنطق والحقيقة هي ثورة جمالية تربط بين المنطق والحقيقة، بفن يضعنا أمام الرومانسية التي غابت عن الشاشات العربية، وعن الكثير من الاعمال الادبية التي انغمست بأوجاع المجتمع، وجعلت من الواقع مسرحاً قاسياً نطل منه على أشياء لا يمكن تصديقها مثل مسلسل “الطاووس” والكثير من الروايات الأخرى أو المسلسلات التي افتقدت للمنطق مثل مسلسل “اللي مالوش كبير” ومسلسل “النمر” باستثناء قصة الحب في كل منهما التي تخلو من الرومانسية الجاذبة للمشاهد.
فهل من حقيقة إيجابيَّة تظهر مع الرومانسيَّة وأخرى سلبية تغطي على الأولى وتتركها ضمن العلاقة بين المنطق والحقيقة؟ أم أنَّ غياب الرومانسيَّة وثورتها القديمة بدأت تظهر من جديد في الأعمال الدرامية مثل مسلسل “للموت” وقوة التناقض فيه بين فئات المجتمع الذي يفتقد للتوازن؟.
فالحقيقة التي يصعب تصديقها وضعها كاتب مسلسل “للموت” ضمن المنطق الذي تجلى في العلاقة بين سحر وباسل، والعلاقة بين ريم والأخ الأكبر مع الاحتفاظ بالتوازن بين علاقة وأخرى.
إنَّ الخطاب الرومانسي الحقيقي في مسلسل “للموت” هو في رفض الرومانسيَّة التي تعتمد عليها التناقضات بين المرأتين ريم أو وجدان وسحر وايفون، بينما بين مديرة الملجأ وعبدالله في الحي القديم هي انعكاسات لمنطق الحقيقة معاً، وبتجديد اعتمدت عليه الكثير من الروايات مثل رواية “ترتر” للروائي نزار عبدالستار والحبكة المنطقيَّة فيها وفي رواية “زرايب العبيد” للروائية نجوى بن
شتوان.
لنستكشف قوة العلاقات مع الآخرين، وتأثيراتها من خلال الحياة المشتركة مع الأشخاص الذين يتعاركون في الحياة، وبسياق اجتماعي هو بناء رومانسي ناتجٌ عن فقدان الذاتيَّة التي ضاعت في متاهات الأحداث وقوتها، كالاغتصاب والتفلت الأخلاقي.
فهل من جدليَّة توصف بأنها قوة الرومانسيَّة والتخفي خلفها، لإظهار الدوافع النفسيَّة القائمة على القهر الطفولي والقساوة الأسريَّة في الأحياء الفقيرة؟ وهل محاكاة الحقيقة هي منطق الواقع الذي نحيا فيه حاليا؟
قوة الرومانسيَّة غير المبتذلة في الهدف الذي يرسمه كاتبها للوصول إلى الحلول بعد الأزمات الاجتماعيَّة والسياسيَّة من دون فقدان الهوية الإنسانية، وإعادة بناء الإنسان القادر على العيش في تربة مجتمعه من مختلف الطبقات بعيداً عن المهاترات، وبعيداً عن الرومانسيَّة الخالية من المشاعر الإنسانيَّة التي تتغذى على مفهوم الحب وقوة العلاقة بين الحقيقة والمنطق، فقساوة الواقع في بعض الحالات تحتاج للمنطق كي تكون ضمن الانسياب الدراماتيكي المرن، والقادر على تحقيق جمالية تجذب المشاهد أو القارئ على السواء مثل كتاب “دونجوان القرن الحادي والعشرين” للدكتورة هلا الحلبي وقيمة السلوك الفعلي للشخصية الرومانسيَّة القائمة على دونجوانيَّة المرأة والرجل معاً، بتحديث يربط الرومانسيَّة بالواقع كما ربطها كاتب مسلسل “للموت” الذي استطاع تحريك طبيعة العلاقات بين الأفراد الذين تعرضوا لأحداث في طفولتهم.. والسؤال الأكبر أطفال الشوارع ومشكلاتهم وتكوين شخصياتهم وتأثيراتهم في المجتمع الذي تشردوا فيه.
فهل الرومانسيَّة الحديثة هي ثورة بحق على المشكلات والآفات البشرية عامة؟ أم أننا سنشهدة عودة لرومانسيَّة من شأنها الربط بين الحقيقة والمنطق على أرض الواقع وقساوته في زمن يعيد تشكيل الإنسان ووضعه في دائرة المنطق والحقيقة معاً؟