النعمانيَّة.. مدينة التراث والتقاليد

ريبورتاج 2021/04/26
...

 حسن شهيد العزاوي
 يحظى قضاء النعمانية (40 كم) شمال غرب الكوت مركز محافظة واسط والذي تبلغ مساحته 1103 كم2، بخصوصية متميزة بحكم موقعه الجميل في الجانب الغربي لنهر دجلة، فضلا عن كونه حلقة الوصل بين المحافظات الجنوبية ومحافظات الفرات الاوسط عبر الطريق العام ( نعمانية ــ شوملي)، اذ تتألف الرقعة الجغرافية للقضاء من الناحية الوحيدة له وهي «ناحية الاحرار» التي تم اكتشاف النفط فيها عام 1979 وباشرت شركة صينية بموجب عقد مع وزارة النفط بالأعمال الخاصة باستثمار النفط في الآبار الموجودة بالناحية مطلع عام 2009.
ولعل الذي يميز القضاء عن غيره ايضا هي تلك اللحمة المترابطة والنسيج الاجتماعي المتماسك بين ابنائه الذين يؤلفون (89) الف نسمة، اضافة الى (320) اسرة مهجرة، اتخذت من قضاء النعمانية موطنا لها واندمجت مع سكانه
 الاصليين.
 
نهر البغيلة
قال رئيس المجلس المحلي السابق للقضاء محمد مانع القريشي «ان النعمانية مدينة عريقة، انشأها النعمان بن المنذر ملك العرب واتخذها مقرا له، فاتسعت رقعتها الجغرافية واستوطنتها اسر كثيرة، وقد تعرضت للكوارث والفيضانات التي سببها نهر البغيلة الذي لا يزال يقع قريبا من المدينة والتي سميت باسمه فيما بعد، حتى استبدل اسمها من البغيلة الى النعمانية عام 1930، وبعد ثورة 14 تموز رفعت درجتها الى قضاء، وكان ذلك تحديدا عام 1961، لكن المدينة رغم مرور تلك السنوات على تأسيسها ظلت مهملة وتعاني الكثير من الاهمال في العهد السابق، اذ لم يلتفت لها احد على الرغم من التوسع الافقي الذي شهدته، وكان المواطن في المدينة يلمس ذلك كثيرا، الا انه لا يمكنه فعل شيء»، مشيرا الى أن «المستقبل يمكن أن يكون كفيلا بخلق تحولات جذرية، تواكب سمات المرحلة الجديدة التي يشهدها العراق الجديد».
 
موقع سياحي
واوضح أن «مدينة النعمانية يمكن أن تكون موقعا سياحيا متميزا، لوقوعها على نهر دجلة ووجود ضريح الشاعر العربي الكبير ابي الطيب المتنبي شمال المدينة ببضعة كيلومترات، والذي يحتضن المهرجان السنوي بمشاركة العشرات من الشعراء والادباء الذين يأتون من المحافظات الاخرى، اذ سبق وان شهد الضريح بعض اعمال الصيانة والتطوير التي قامت بها دائرة الآثار والتراث، فضلا عن وجود عدد كبير من البساتين المثمرة التي لها الاثر البالغ في اضفاء لمسة جمالية للمنطقة وتحسين الواقع البيئي فيها»، لافتا الى ان   «الواقع السياحي في المدينة سيكون متميزا نتيجة لاستقرار الواقع الامني الى حد كبير من خلال الدور الذي يقوم به رجال الشرطة ومساندة العشائر لهم، فالمدينة كما هو معروف عنها تمتاز بنسيج اجتماعي متماسك وفيها من العشائر العربية الاصيلة التي ترفض كل الاعمال والسلوكيات التي تتقاطع مع القانون والنظام، وقد سجل القضاء حالة متميزة على صعيد المحافظة في هذا الشأن».
 
إعمار وبناء
وافاد القريشي بأن «القضاء يشهد حالة من العمران لم يشهدها منذ اكثر من 50 عاما، بعد أن كانت السياسات السائدة في الحكم الصدامي تعتمد على عسكرة المدن واهمالها من الناحية الخدمية»، مبينا أن «المشاريع توزعت بين دوائر التربية، اذ تم بناء 17 مدرسة جديدة ومدارس اخرى بدل الطينية واربع مدارس متوسطة في ريف النعمانية ومدرستين ثانويتين للبنين والبنات ومدرستين ابتدائيتين في ريف القضاء لفك الدوام المزدوج واربعة مختبرات حاسوب في المدارس المتوسطة ضمن قطاع التربية، وبين دوائر الماء، اذ تم تأهيل ومد شبكات ماء للشرب في احياء الجمعية الاولى والثانية والشهداء والعسكريين والحسين والبلدية والشرقية والمثلث والمتنبي والكرادة، وتجهيز ونصب وتشغيل مجمعات ماء لقرى: اغلام الهايس وابو جلاج وعيال العويد وابو جاموس والصخرية والحمراية وشاذي والمصالحية، وفي قطاع البلدية تم انشاء اربعة متنزهات ومد شبكة ماء خابط لري المتنزهات وبناء مجمع طبي وآخر تجاري في مدخل المدينة، وفي قطاع الكهرباء تمت اعادة تأهيل مغذيات (11 K V A) ضمن خط شاذي بطول 17,5 كم وخط السبع قرى بطول 10 كم وشطر مغذي المصالحية 5800 متر وتأهيل محولات جديدة وتعديل سعات محولات قديمة مع قواطع دورة وتنفيذ شبكة كهربائية للجهد العالي والواطئ لاكثر من 1000 وحدة سكنية في المدينة القديمة وتحسين الشبكة الكهربائية لمنطقة الحي العسكري ودور المعلمين الاولى ودور الاطباء وحي الحسين ومنطقة البساتين مع انارة شارع محمد باقر الصدر بطول 2600 متر ومفرق النعمانية بطول 700 متر، وايصال التيار الكهربائي لقرى هوسان والروضان والحكيم، وتحسين الشبكة الكهربائية لقرى بيت فرهود والبسارجة والبلحة والمتنبي والبركة والزراعة، وفي قطاع مشاريع الطرق الريفية تمت صيانة طريق الدلمج بطول 15 كم وطريق سيد مالك بطول 400 متر وانشاء 11 طريقا ريفيا وفرش سبعة طرق بالسبيس، وفي القطاع الرياضي تم انشاء 13 ساحة لخماسي الكرة و ثلاث ساحات لكرة القدم مع تشييد اربع ساحات شعبية، وفي قطاع الثقافة تم انشاء البيت الثقافي وتشييد قاعة للمناسبات الثقافية، وفي قطاع الاتصالات تم تنفيذ شبكة هاتفية بسعة 10آلاف خط”. 
 
تاريخ النعمانيَّة
اشارت استاذة التاريخ ابتسام عبد الرزاق الى أن «النعمانية كانت تسمى آنذاك بـ»البغيلة» نسبة الى نهر البغيلة وموقعه حاليا بالقرب من شارع الكورنيش، وكان عام 1930م  قد شهد تغيير تسمية «البغيلة» الى تسمية النعمانية، لتصبح في هذا التاريخ ناحية تابعة لمدينة الكوت وفي عام 1961 تم رفع درجتها الادارية الى قضاء ترتبط به ناحية واحدة هي الاحرار والتي كانت تعرف سابقا باسم «الحسينية»، نسبة الى اسم نهر صغير يجري فيها، كما عرفت النعمانية ايضا بتسمية دير العاقول، لكثرة انبات ارضها لنبات العاقول وهو من النباتات البرية الطبيعية، ومساحة قضاء النعمانية تبلغ 421875 دونما، بضمنها 2500 دونم تم تخصيصها لزراعة النخيل، اذ يوجد فيها 120 بستانا».
واوضحت أن «الاكتشافات الاثرية بينت ان ارض النعمانية كانت مغمورة بمياه البحر في العصر الحجري، ويصنف مناخها ضمن مناخ المنطقة الوسطى من العراق، وتمتاز بهواء نقي من الاتربة والغبار وبعذوبة مياهها».واشارت الى أن «نهر دجلة يقسم مدينة النعمانية الى ضفتين، اليمنى التي يسكنها خليط من العشائر ابرزها عشائر قريش في مركز المدينة وبالريف وكذلك زبيد والكلابيين والهليجية والنصيرات والبيات والكرد الفيلية والسادة آل الحبوبي والعواودة والزوامل والغرابات وخفاجة والدفافعة والوائلية وبعض العشائر الاخرى، اما الضفة اليسرى فتنتشر فيها عشائر شمر، بينما يشكل ريف النعمانية جزءا كبيرا من مساحة القضاء الذي يعتمد على الزراعة وتربية المواشي في تلبية متطلبات المعيشة، بينما يعتمد سكان مركز قضاء النعمانية على الوظائف الحكومية والعمل التجاري والحرف اليدوية، كالنجارة والحياكة والحدادة في تلبية متطلبات معيشتهم، وهناك ايضا ستة مشاريع اروائية مشهورة في النعمانية هي: «الروضان» و»عوينة» و»الجمهورية الغربية» و»الحجام» و»الجمعية» و»شاذي» .
 
معالجة التجاوزات
مدير دائرة التسجيل العقاري في قضاء النعمانية الحقوقي حسين عبد المنعم الغنيماوي اشار الى بعض التجاوزات الحاصلة على عدد من الاراضي والساحات في المدينة، معتبرا اياها حالات مرفوضة يحاسب عليها القانون، رغم ان ازالة تلك التجاوزات هي من مهمة البلدية، مبينا ان دائرة التسجيل العقاري تقوم حاليا بتنظيم عقود البيع والشراء بالنسبة للعقارات السكنية والتجارية والزراعية، بينما تقوم ايضا بتسجيل وفرز القطع السكنية التي تقوم البلدية بتوزيعها الى جانب اصدار سندات التمليك للمواطنين، كما ان دائرة التسجيل العقاري قامت في وقت سابق بتثبيت مساحة اربعة دونمات لبناء السياج الذي يحيط بضريح الشاعر الكبير المتنبي من دون أن يؤثر ذلك في الاراضي الزراعية
 المجاورة.
 
الواقع الزراعي
معاون محافظ واسط للشؤون الزراعية المهندس سلام البطيخ، اشار الى أن الانبوب المار ضمن الاراضي الزراعية في مناطق قضاء النعمانية تسبب ببعض الاضرار للفلاحين والمزارعين في تنفيذ خططهم الزراعية، اذ اثر ذلك في قنوات الري وقلة بعض المحاصيل الزراعية في حينها، مشيرا الى أن هناك تأثيرا كبيرا  في المحاصيل الزراعية من الناحية البيئية، فالجو اصبح مشبعا بالغازات السامة المنبعثة من الحقل، كون الحقل يبدأ من النعمانية
 جيولوجياً.
 وكشف البطيخ أن مناطق قضاء النعمانية تشتهر ببساتين النخيل ذات الاصناف النادرة، اذ تم اعداد قوائم باسماء اصحاب البساتين وارسالها الى مديرية زراعة المحافظة، لغرض مفاتحة الجهات ذات العلاقة بخصوص تسويق التمور، وبما ان اصحاب البساتين من منتجي التمور في المنطقة، فيتطلب الامر انشاء مركز لتسويق التمور في المنطقة، لافتا الى انه تم بناء مخازن للاسمدة الكيميائية والتمور والبذور وزراعة المرحلة الاولى من الحزام الاخضر بطول 10 كم وانشاء محطة بستنة لانتاج الفاكهة وفسائل النخيل واعادة تأهيل معمل البان النعمانية.
 
«لارك» السومرية
من جهته قال حسنين علي محمد مدير مفتشية آثار محافظة واسط «ان من بين 420 موقعا اثريا في المحافظة يوجد عدد منها في قضاء النعمانية وابرزها على الاطلاق موقع «تل الولاية» واهميته ناتجة عن كونه يضم بقايا مدينة «لارك» السومرية والتي ذكر اسمها في الرقم الطينية المكتوبة بالخط المسماري وهذه المدينة تعد احدى المدن الخمس التي حكمت العراق القديم قبل حدوث الطوفان، وتم القيام بأعمال التنقيب في هذا الموقع لمدة خمس سنوات، تم على اثرها نقل اكثر من 3000 قطعة اثرية الى المتحف الوطني في بغداد، وهذا الموقع يعد من الناحية التاريخية مهماً، نظرا لضمه ثلاثة ادوار حضارية تاريخية تمثل عصور الحكم السومرية والاكدية
 والآشورية».
واضاف ان «هناك اكثر من عشرين تلا اثريا في القضاء الى جانب مواقع اثرية من اهمها «قصر النعمان» الذي يطل على نهر دجلة ويبعد قرابة 5 كم عن مركز المدينة وقبر الشاعر المتنبي شمال النعمانية والذي وضع تصميم بنائه مهندس فرنسي، وهناك ايضا تلول «قوم لوط» جنوب غربي النعمانية و»مقبرة الحثيين» قرب نهر دجلة و»بلاط الملك» و»مخازن الملك» عند مدخلها الشمالي وكذلك توجد آثار «النجمي» على مسافة 11 ميلا غربي المدينة».