معركة بدر وزهو الايمان

منصة 2021/04/28
...

 عبدالرضا موات
النصر والانتصار من الكلمات كثيرة التداول في قواميس الدول وعلى لسان الاعلاميين، فمن المعروف أن هاتين اللفظتين من امهات التحفيز. والتاريخ الحافز غالبا ما يحوي كثيرا من هذه المفردات. فنصر اسم مصدر نَصَرَ. فوز ونصره أي اعانه. وشهر رمضان وهذه المواسم التي وسمت به منذ ان شرع في مدينة الرسول (ص) بالسنة الثانية من الهجرة خلال شهر شعبان على اكثر الاقوال شهرة.
فقد كانت سنة صيام رمضان عام خير على المسلمين، ففي هذه السنة تحديدا حصل انتصار معركة بدر في منتصف رمضان  وبالتحديد في السابع عشر منه، اذ انتصر المسلمون انتصاراً باهراً على الرغم من قلة العدد وخذلان الناصر وتكالب قريش واحابيشها، حيث قدم أولئك الاعداء يضربون الطبول وينفخون بالمزامير. وكانت تلك السويعات حاسمة للجهتين، فإما بداية النهاية او نهاية البداية. وتقاتل العدوّان أعداء الله.. وأعداء الشيطان، فانتصر المسلمون انتصاراً لا رجعة  فيه، فقد وضعت المعركة اوزارها والمسلمون في نشوة النصر، وهم يرون عتاة قريش قد قتلوا، وكبراءها قد أسروا. فسميت هذه معركة الفرقان التي جاءت بالقرآن الكريم (ويوم الفرقان).
ظل يوم الفرقان خاصا بالمسلمين وشهر رمضان عليه دليلا حتى أصبح شهر الغفران مفتاح كل نصر. والمثير للانتباه بذلك أن معظم انتصارات المسلمين في الاعم الاغلب كانت تحدث في شهر الصيام، ولا اجدني ابالغ حينما أقول إن هذا المنوال ظل سالكا حتى عصرنا الحاضر. بيد أن انتصار الثورة الفرنسية في تموز لا سيما بعد أن وضعت النقاط على الحروف، اخذت بعداً اخر في دساتير الدول وبعض ثوراتها. وعلى الرغم من كل ذلك وشيوع الثقافة الفرانكفونية في بعض بلدان العالم الاسلامي ما زال شهر رمضان رمزاً للنصر والانتصار للمسلمين شئنا ام أبينا.
ولا يقتصر ذلك النصر والانتصار في  الحروب والمعارك الحاسمة فحسب، بل في مطاولة النفس ومحاولة تجرديها من الأنا المغلقة والانفتاح على عالم عميق وقوي في ثقافته وايمانه. واليوم ونحن على ابواب العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين، ما زال الكثير منا وللاسف يشرق غرباً وآخر يغرب شرقاً وكاننا كالاخرين نعيش ازمة هوية وهذا محال في ظل تاريخ وتراث اسلامي حافل، وما زال، يضم المكنون من الدرر في جميع المعطيات والقضايا الراهنة، فقصور الذوات ليس له علاقة او سبب في الآليات 
والادوات. فرمضان شهر النصر وهو شهر السلام، ففيه معركة بدر وكذلك ليلة القدر التي هي ليلة الاطمئنان والدفء وليلة الانتعاش والطمأنينة التي تكتظ بها الارض بما حملت من مسلمين صائمين وعابدين ومريدين.. وهي ليلة الود والمودة، ولها في ذاكرتنا الكثير من الشوق فهي مميزة بامتياز عن باقي الليالي والايام مع وجاهة كل شهر رمضان.
والنصر ورمضان سيان لا يفترقان فمنذ معركة بدر؛ ووصولا الى معركة عين جالوت التي غيرت وجه العالم الاسلامي وأبقت عليه ناصعاً شامخاً باسقاً في السنة 658 هـ ظل الانتصار يجري تحت اقدام شهر الصيام. فكانت صولة المسلمين يوم معركة بدر بصوت هادر (يامنصور أمت)، وانتصر المسلمون في معركة عين جالوت بفلسطين من بلاد الشام بعد أن استلهموا التاريخ الحافز وجالوا وصالوا بنفس صوت الاوائل، بعد أن ظلو ثابتين واثقين صابرين رددوا الصوت الغابر بصوت اخر هادر (يا منصور امت) تلك هي صور الرمضانات الماضية، التي كانت تعانق النصر التاريخي والجغرافي مزدانة بالابتهاج والفرح ومحاولة تحقيق السعادة من خلال اشاعة العدل والشعور بالاخر القريب وغير القريب. فكان رمضان خير شهر بخير اعمال بخير ليلة شهر الغفران والتوبة والعتق من النار وهطول الرحمات وقبول الطاعات وعودة الثقة بالنفس باننا قادرون على التغيير نحو الافضل دائماً.