ذوالفقار يوسف
اقترن بالرغيف، وارتبط بكل النائمين على الرصيف، يسير نحو بوابة الانسانية منذ أن ولد، وتعلم منذ صباه كيف لصوته أن يصل للسماء، وما أن تحدث صعد، ولأنه شبيه الماء، صار للأيتام اب، كائن لم يكن يضنيه التعب، امتزج بمواثيق اليقين والحكمة، وتعلم من ربه كم هي عظيمة الرحمة، القوي البكاء امام الله، تختفي كل كلمات الحق لولاه، انه امير المؤمنين، اخو النبي الكريم (ص) وابو الحسن والحسين (ع).
تمر علينا هذه الايام التي اقترنت بالشهر الفضيل وبالتحديد في الحادي والعشرين من شهر رمضان من عام (40 هـ)، ذكرى استشهاد الامام الذي تصبو العيون نحو حضرته المباركة، تلك الهالة التي تحيط قلوبنا بالرحمة والايمان، فكيف للانسان أن يصدق بأن مثل هذا الكائن يفنى، بحكمته و وقاره وبقربه من الله، بصدقه وكرمه، بجهاده ومنزلته عند نبيه، الا انه علمنا قبل استشهاده كيف لنا أن نخلده بطرق القلب والروح ماحيينا.
صدقات من الجنة
احتذى به الآلاف، ليس فقط لكونه شخصية عاصرت نبي الرحمة، بل لارتباطه الوثيق بالفقراء والمحتاجين، اولئك المساكين الذين كانوا فوق رصيف العوز، ينتظرون تلك الخطوات المستمرة التي تخلصهم من الجوع برغيف ملائكي، حيدر عبد حلحول (36 عاماً)، يتذكر امام التقى كلما دق محتاج بابه، وقال حيدر "كيف لي الاّ اعطي، وها قد اتاني المحتاج بقدميه الى باب منزلي، فقد كان شفيعي علي (ع) يبحث عنهم ويسير بالطرقات والازقة، فكيف لي أن ارد محتاجاً، هكذا علمنا وهكذا سنبقى، سائرين في طريقه الانساني، فالرحمة من صفات الرب وان اردنا أن نصل الى المثالية، لابد لنا أن نصبو نحو ذلك الانسان الذي ولد في بيت الرب، اما الموت فليس بالعادة نهاية الانسان، وامامنا (عليه السلام) قد خُلد كحامل الصدقات التي اتت من الجنان".
الانسانيَّة والسيف
وبالرغم من كل صفات الرحمة التي امتلكها امير المؤمنين، كان لجانب القوة في شخصيته دور في تحقيق شروط الجهاد القويم، لقد كان سيد العظماء في المسير نحو طريق نصرة الاسلام، لم يتوان عن احقاق الحق، وانصاف المظلوم والذود عنه، فما اقدس أن ترى المظلوم وتنصره، وأن تقف امام الظالم وتقول كلمة الحق بلا تردد، محمد منهاج (37 عاماً)، لم تغادر عينيه تلك الرهبة التي تذكره بقوة امامه علي (ع)، ويبحث عنها في اعماق نفسه ليربطها معه، يحدثنا منهاج عن منهاج امامه قائلا: "لم ازل ابحث عن ذلك الانسان، وقوته التي نذرها لاجل الحق ونصرته، فقد امتلك كل صفات القوة ولكنه لم يستخدمها الا من اجل الله وآل بيته الاطهار والمظلومين من الناس، ولم يفارقني ابدا ما حييت، لذلك احاول قدر استطاعتي أن اقول كلمة الحق امام الظالم مهما كانت قوته وجبروته، كيف لي الاّ اكون هكذا وانا اريد أن اصل الى مقام صفاته المقدسة، فامامي قد حارب السيف والدم بالانسانية، وما هذه الا احدى صفات الرب".
شفيع المؤمنين
وما أن يمر على مسامعنا اسم الامام علي (ع) لا يخطر في بالنا غير ذلك الانسان الذي سيشفع ونبينا لنا يوم الحشر، ذلك اليوم الذي ستشخص به الابصار، وتنقلب موازين الارض والسماء، ويصيح الانسان يا نفسي، الا آل محمد (ص) سيكونون الشفعاء عندما لا يكون هناك شفيع وكفيل، السيد حسنين جواد الموسوي نذر قلبه وروحه كما صوته لخدمه آل البيت الاطهار، وقال بنبرة كادت أن تكون ملائكية بصوته الرائع "يا علي وشلون اوصفك يا علي.. كلما ذكرت اسمك همي ينجلي"، واردف قبل أن تسبقه دمعته في ذكرى استشهاد امامه "لم يمت امامنا وشفيعنا، فهو يسكن القلوب والارواح، اشعر به بداخلي وهو يعلمني كيف لي أن اكون انسانا، وأن اذكره مع كل دمعة، ومع كل ابتسامة محتاج وهو يجد ما يسد به حاجته، ومع كل مظلوم وقد استحصل حقوقه من الظالم، اجده في بحثي عن الله، اذكره عند ذكري لخاتم الانبياء، اما الجنة التي اتمناها فها هو قد جلس هناك عند بوابتها ليكون شفيعنا ووكيلنا عندما لا تعرف الام طفلها، ولا الاخ اخاه".
باب البلاغة
مع كل تكليف يقوم به الامام علي(ع)، ومع كل مهماته وجهاده وصبره، وكل قوته، استطاع أن يغلب المعرفة، وأن يضع اسمه كبوابة للعلم بعد أن كان نبينا الكريم (ص) مدينته، فالتزم بمواثيق طلب العلم، وصار ينشر الوعي والقسط والحكمة والمواعظ ليؤسس نمطاً قويماً يحارب به الجهل بكل اشكاله، حسن جبار (28 عاما) قال كلمته في امام المعرفة "اتساءل في بعض الاحيان كيف لذلك الانسان أن يوازي بين العلم والقوة والرحمة؟، فهل يستطيع انسان فعل ذلك؟، أن يكون تحت انظاره المحتاجون والمظلومون، وبلا كلل او ملل استطاع أن يقترب من حدود الكمال، واسس المعرفة بطرقها اللامحدودة، واجاد الانصاف والاحكام والحكم، وشرع القوانين التي هيمنت على الظلم بكل اشكاله، وهدم الشر واصحابه بكلماته الحقة، واستطاع أن يهزم كل مظاهر الجهل بقلمه القدسي، فكيف لي الاّ اقدسه واصبو نحوه، فهو النور ولا ظلام مع اسمه، اليوم وقد يواسي بعضنا البعض بذكرى استشهاده، ونحن نعرف بأن من يسكن الظلام والجهل هو من مات، اما امام البلاغة فخالد الى الابد".
أول العترة
ولا يخفى على الكثير أن المنزلة العظيمة للامام علي (ع) في نفوس العالم الاسلامي ليست فقط لانسانيته وحكمته وعدله، اذ انه اب العترة الطاهرة، وقد خُلف من بعده نسل الاتقياء ورعاة الاصلاح، تحسين الخماسي (44 عاماً) عزى العالم الاسلامي اجمع بهذا المصاب الاليم وقال: "كان ارتباط جملة (تهدمت والله اركان الهدى) على مسامعي باستشهاد امام الاوصياء امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع)، فحقاً قد تهدم الهدى وانكسرت اعلام الاصلاح، وغاب الحق وانبثق الباطل والظلم عند استشهاد الحق، وان القلوب لحرى والارواح حزينة على هذا الفقد العظيم، ولولا انه ترك فينا عترته الطاهرة، لما كان هناك من ينطق بالحق والحسنى والمودة، ولما كانت هناك ايادٍ تمد الى المحتاج لتعطي، ولا هناك كلمة حق تقال عند سلطان جائر، فهو من علمنا أن نقول كلا امام الباطل، وأن نرى الله من خلاله ونبيه الكريم (ص)، وأن نكون كما اردنا سعاة للخير والرحمة والتماسك ونبذ كل ما هو سيئ، وأن نحارب الجهل والفساد والباطل كما حاربه قبلنا، فما كان استشهاده الا لينير لنا طريق الحق لنسلكه بلا تردد مهما كان صعباً".