عندما يكون الموت فوزاً

ريبورتاج 2021/05/04
...

 ذوالفقار يوسف
الهي ما عبدتك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنتك، ولكني وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك، هذا ما نطق به امير التقى عند حديثه لربه، فكيف لانسان أن يكون باليقين هذا وهو يحدث خالق الكائنات اجمع، وأن تكون له هذه القدسية العظيمة عند حواره مع الرب ليدعوه بهذه الطريقة، ويؤكد له هذا الحب الملائكي بصوره الرائعة، والا يكون مجبراً او محروماً لينتظر الوعد في جنان الله، وأن يكون فقط كما خلقه الرب، عالماً من الصفاء والنور.
قال قبل أن يتلقى ما كان ينتظره، قدره، «فزت ورب الكعبة»، وما اجمله من يقين، أن تعلم أن في فنائك الفوز، وفي نهايتك بداية الوصول الى عرش الله بلا شك، وأن تكون على قدر المعرفة التي توصلك الى هذا الحد من التأكد، بانك ستكون هناك، فلماذا لا ينتظر خلاصه من الدنيا وما فيها، من الظلم والظالمين، من ساكني الدنيا
 الزائلة.
 
أبو الأيتام
وكلما نطقت الالسن، وحارت الظنون في ذكر الاحسان والعطف، فمن يا ترى سيكون ذلك المختار لنيل هذا اللقب، أن يكون سيدا للرحمة بعد ربه ونبيه، لينذر يديه للفقراء والمحتاجين والمساكين كما قلبه وروحه، ويكون لليتيم ذلك الشهاب الذي ما أن شاهده في السماء وتمنى تتحقق امنيته لا محالة، فإمامه ووكيله فوق رأسه، عادل حسين (30 عاما)، شعر باليتم بعد فراقه لابيه وامه مبكراً، حدثنا بقوة لا تخلو من العظمة التي اكتسبها من حبه لامامه، «لأني كبير اخوتي استطعت أن اتحمل المسؤولية التي وضعتها الدنيا على عاتقي بعد وفاة والديّ، فقد صرت الاخ والاب والام في الوقت نفسه، وصار لزاماً عليّ أن أسير على نهج سيد الرحمة، وأن اكسر يتمي وضعفي وحزني على الفقدان، لاكسب القوة التي تجعلني امحو الحزن من قلوب اخوتي، ومن اعانني على هذه المهمة هو امير المؤمنين، بوصاياه ورحمته، وعطفه، وكل صفاته التي جعلت كل من يعرفه يتأكد أن هناك ملائكة يسكنون بيننا، ليكونوا اولئك القديسين لاجل البشر والانسانية، واذ اننا اليوم نمر بذكرى جرحه وبداية فراقه للدنيا وما فيها، الا أن روحه وذكره باقيان الى الابد، مهما بقينا وبقي الليل والنهار».
 
وصايا المقدسين
وختم على طريق الحق اسمه، «علي»، انها الحروف التي ارتبطت بمكانته عند الرب، فقد قدس كلمات الله واوامره ووصاياه بعشق لا نهاية له، ومع كل هذا الحب اجاد في خلق وصايا الدنيا وساكنيها، فتارة تراه يحدث ربه تمسكا به وقربا، وتارة اخرى تراه يوصي نفسه أن تبقى كما ارادها الله قدسية، بيضاء لا ظلام يدنسها، اما وصاياه لأولاده ومن بعده من المؤمنين، فحدثنا عنها سلوان العتابي (32 عاما)، وهو يحاول أن يسلح ارواحنا بها، «أوصيكما بتقوى الله، هذا ما نطق به امامي في معركته مع الجرح لولديه الحسن والحسين (عليهم السلام)، كيف لا وتقوى الله هي بداية الفوز بجنته، ورحمة من عباده في ما بينهم، ليكونوا محصنين ضد الظلم والظلام، والاّ ينهجوا نهج الوحوش، وأن يتيقنوا بأن التقوى التي تتبعها الرحمة ستكون مخلصهم نحو النور، لذلك اوصى بالوسائل التي ستحدد الهدف وهو القرب من الله، فاوصى باليتيم عندما قال (الله الله في الايتام، فلا تغبوا افواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم)، واوصى في الجار ليقول (الله الله في جيرانكم، فإنّهم وصية نبيكم، ما زال يوصي بهم حتى ظننا أنّه سيورثهم)، وقال في القرآن الكريم (الله الله في القرآن لا يسبقكم بالعمل به
 غيركم).
 ووصيته ايضا في التقارب بين الناس، اذ قال (وعليكم بالتواصل والتباذل، وإيّاكم والتدابر والتقاطع، لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيُولّى عليكم أشراركم، ثمّ تدعون فلا يستجاب لكم)، وكل تلك الوصايا تؤكد أن اولوياته هي صلاح الانسان بالرغم من نزف جرح رأسه».
 
القدوة
وتتكاتف الايادي في هذه الايام الاليمة لما فيها من ذكرى، اذ يستذكر فيها المسلمون امامهم، فالموائد الرمضانية التي تنتشر في عموم البلاد لتحقق هدف التكافل الاجتماعي بين الناس، هي بيان مقدس لاعانة الفقير والمحتاج، وقربا من الله من خلال وليه في الارض، مسلم الشمري (33 عاما) احد هؤلاء الذين افترشوا الارض وقدور الطعام تحيطهم ليوزعوا بكفوف الرحمة ما لذ وطاب لكل محتاج، يقول: «باسم الله ومحمد وعلي، نتوجه في هذه الايام المباركة من الشهر الفضيل، وترافقها ايام جرح واستشهاد امامنا علي بن ابي طالب
(عليه السلام).
 ونحاول قدر المستطاع أن نحذو حذوه في تقديم ما نستطيعه الى كل محتاج من خلال عمل الاطعمة وتوزيعها ببركة الامام، فضلا عن توزيع الطعام للاسر المتعففة في محيط المنطقة، خصوصا ونحن نمر بازمة اقتصادية بسبب جائحة كورونا، لذلك ندعو الله في هذه الايام المباركة والعظيمة أن يشافي جميع مرضى العالم وليس فقط المسلمون منهم من هذا الوباء، وان يبعده عنا ببركة ابي الحسن والحسين الامام علي (عليهم السلام)».
 
إمام العطاء
واختلفت هذه السنة بكل مضمونها بسبب الاوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد، الا ان هذا الامر لم يقف امام المعطائين وكل من يستطيع المساعدة، لذلك نرى العديد من الذين يحملون جزءا من صفات امامهم علي (ع) وقد توجهوا بسلالهم الغذائية نحو المحتاجين والمعوزين من الناس، مهدي اللامي (36 عاما) واصدقاؤه كانوا من اولئك المتبرعين، وحدثنا اللامي قائلا: «ها نحن نحاول أن نصل الى مقام امير الرحمة وامام العطاء، لذلك سوف نقدم كل ما نستطيعه للحد من الفقر والفقراء، وكي لا يجوع احد في بلادنا، كما قالها امامنا سيد الوصيين، ونقوم بتوزيع سلال غذائية واطعمة وكل ما نستطيع توفيره لنصبو بذلك نحو قدوتنا بكرمه وعطائه وحبه للغير، سيد الكرماء وملك السخاء».
الحاجة علياء الدراجي (ام يقين) هي ايضا تقوم بطبخ الرز في كل عام من هذه الايام وتمزج معه (الماش) وتقدمه مع اللبن، كما اعتادت أن تفعل، اذ قالت ام يقين «ان هذه الاكلة بالذات هي النوع الذي اعتاد العراقيون على طبخه في ايام جرح الامام علي (عليه السلام)، وتسمى بـ (المشتهاية) اي الاكلة التي تشتهى، وتوزع بهذه الطريقة لان اللبن مبرد للبدن وطارد للسم الذي غمس به السيف الذي ضرب هامة امامنا ابي الحسن (ع)، اما (الماش) فلأنه حار الطبع، لذلك يعتبر سنة حسنة لانه يذكرنا بمصاب الامام علي (ع) وايام جرحه واستشهاده، لذا دأب المسلمون على عمل هذه الاكلة، فضلا عن الاكلات الاخرى التي نقوم بتوزيعها بين الاسر المتعففة والمحتاجة قربة الى الله تعالى، ولان امامنا وولينا علمنا أن نكون معطائين كرماء، ونتبادل التعازي في ما بيننا ونستذكر هذه الفاجعة، ولكننا نعلم في قرارة انفسنا ان الامام علي (ع) خالد في ضمائرنا وارواحنا وقلوبنا الى يوم
الدين».