يحيى فائق.. رجلُ نهضةٍ وفنانٌ رائدٌ متعددُ المواهب

الصفحة الاخيرة 2019/02/12
...

د. علاء فائق 
مرَّت قبل أيام الذكرى الخامسة والثلاثون لرحيل فنان الشعب العراقي الرائد يحيى فائق، الذي كان رجل نهضة متعدد المواهب والقدرات الإبداعيَّة، فهو أحد الأعمدة التي أسهمت في تأسيس الحركة المسرحيَّة والسينمائيَّة والإذاعيَّة والتلفزيونيَّة في العراق.
وُلِدَ فائق في مدينة كربلاء عام 1913 لعائلة محافظة، لكنَّ طموحاته الشابَّة لإدخال الحداثة للمجتمع والثقافة العراقيَّة في بدايات القرن العشرين أكسبته بحق الريادة الفنيَّة في جوانب مختلفة من الفنون الإبداعيَّة.
 
ريادة مسرحية
بدأ نشاطه المسرحي في العام 1929، فأسس الفرقة العربيَّة للتمثيل في العام 1932، التي قدمت عروضها حتى العام 1954، إذ ألغت الحكومة آنذاك إجازات كل الفرق المسرحيَّة، وتميز صاحب "العتبات المقدسة" بوعيه السياسي المبكر، فكانت مسرحياته تعبويَّة وتحريضيَّة، وبذا يعدُّ أول من أسس لمسرح شعبي وطني سياسي يطرح قضايا ومعاناة المواطن العراقي، وكانت عروضه المسرحيَّة تهيج الجمهور، الذي غالباً ما يخرج منها متظاهراً، أبرزها: مسرحية "الوطن والبيت"، و"هذا مجركم" (1942)، و"ثورة بيدبا" (1946)، "حكم قرقوز "، بعدها أسس فرقة المسرح الجمهوري عام ١٩٥٨، وقدم مسرحية الفجر الثائر من تأليف وإخراجه ١٩٥٩، وأخرج فائق مسرحية "سقط المتاع" (1962) التي عرضت على قاعة الشعب، وقد توقف عمل فرقة المسرح الجمهوري بعد شباط ٦٣ بعد إلغاء إجازته ليبتعد عن خشبة المسرح عشقه الأول والأخير.
يحيى فائق السينمائي
لم يقتصر نشاط يحيى فائق على المسرح وحسب، إنما تعداه الى السينما التي كانت في بدياتها الأولى آنذاك، إذ شارك في الفيلم السينمائي الرائد "عليا وعصام" (1949) ممثلاً ومساعد مخرج، وبذا حصل على التدريب الكافي لمعرفة حرفيات السينما، فأخرج أول فيلم عراقي روائي ملون بعنوان "العتبات المقدسة" (1951)، لكنه مُنِعَ من العرض لأسباب طائفيَّة. ثم أخرج فيلم "وردة"(1956)، ويكمن تميز الراحل يحيى فائق بإخراجه أفلاماً تسجيليَّة، وحصل على عضوية نقابة السينمائيين البريطانيين لإخراجه فيلماً وثائقياً مميزاً عن فيضان بغداد 1954، ليؤسس مع الفنانين كريم مجيد وعزيز علي، شركة سينمائيَّة باسم" أفلام العراق الحديث"، التي أنتجت ثلاثة أفلام وثائقيَّة ملونة عن النهضة الحضاريَّة والصناعيَّة والزراعيَّة في خمسينيات القرن الماضي، وتم عرض الأفلام في مختلف دور السينما ببغداد وبقية المدن العراقيَّة.
 
إذاعة وتلفزيون
وعلى صعيد العمل الإذاعي والتلفزيوني عمل يحيى فائق بالتزامن مع بدايات تأسيس الإذاعة العراقيَّة، فكان من مؤسسي الدراما الإذاعيَّة، وقدمت فرقته دراما من روائع الأدب العالمي أسبوعياً، وحينما تأسس التلفزيون العراقي أسهم فائق بإخراج عشرات البرامج التلفزيونيَّة والأفلام الوثائقيَّة، فضلا عن الدراما التلفزيونيَّة، وكان آخر عمل تلفزيوني أخرجه هو"الأبواب المسودة" أعدها عن رواية الكاتب مجيد لطفي، ومثل فيها كارلو هارتيون وحامد الأطرقجي وسعاد عبد الله، لكنها مُنِعتْ من العرض، بسبب انتقاده الفساد في الطبقة المتنفذة في المجتمع.
وطرح الرائد يحيى فائق نظريَّة متقدمة في تجديد العرض المسرحي في منتصف الستينيات أسماها "مسرح البعد الرابع" التي تتبنى استخدام أحدث الطرق التكنولوجيَّة الحديثة في العرض المسرحي والسينمائي وتقحم المتفرج في وسط الحدث المسرحي، إلا أنَّ الظروف السائدة لم تمكنه من النجاح في تطبيقها.
 
فنان شامل
وكان فائق رساماً وفوتوغرافياً وشاعراً وكاتباً، فضلاً عن تأليفه نصوصاً درامية للمسرح والإذاعة والتلفزيون، كما كتب عدة سيناريوهات وأخرجها للسينما والتلفزيون.
رحل يحيى فائق بصمت في العام ١٩٨٣ بعد أنْ عانى من سياسة التهميش والعزل بسبب مواقفه الوطنيَّة والتزامه بقضايا شعبه ووطنه، ولا نعرف متى سيتم رد الاعتبار لهذا الفنان الرائد الملتزم، ليتخذ مكانته الحقيقيَّة في سفر المبدعين وتثمين أعماله الإبداعيَّة ومواقفه الشجاعة ودراسة تجربته الفنيَّة والإبداعيَّة للأجيال القادمة كمثال يجب أنْ يحتذى به.