لقاحات كورونا.. وسائل تطعيم بين التردد والقبول المجتمعي

ريبورتاج 2021/05/05
...

  بدور العامري
مع تزايد اعداد الإصابات بفيروس كورونا التي تجاوزت 8 آلاف إصابة في اليوم الواحد، اصبح من الضروري التعاطي مع موضوع اللقاح والتحصين بصورة تتناسب مع  حجم الكارثة التي يتعرض لها العالم والعراق على وجه الخصوص، والعمل على توعية وتثقيف المواطنين بضرورة الإسراع بأخذ اللقاح، للحفاظ على صحتهم وذويهم وبالتالي سلامة المجتمع، فضلا عن ضرورة التعامل بشكل علمي مع الوباء، وكل هذا يهدف الى وضع خطوات صحيحة من اجل ايجاد حلول للمشكلات التي ولدتها الجائحة منذ ظهورها والى يومنا هذا.
عضو الفريق الإعلامي لوزارة الصحة الدكتور محمد كاظم محسن اكد اهمية اللقاحات لأنها ومنذ عقود ماضية عملت على انقاذ الملايين سنوياً، على الرغم من انها بصورة عامة لا تخلو من التداخلات الصحية والآثار الجانبية، كما هو الحال اليوم مع اللقاحات الخاصة بوباء كورونا، لكنها اصبحت الوسيلة الوحيدة الآمنة من اجل ايقاف التفشي السريع للوباء، خصوصا ان هذا الامر اشبه ما يكون بسباق مع الزمن بهدف انقاذ اكبر عدد ممكن من الناس حول العالم باكمله، مشيرا الى اتباع وزارة الصحة ستراتيجية فاعلة في توفير اللقاحات وتقديمها لفئات المجتمع عن طريق اكثر من 700 منفذ صحي للحصول على اللقاح.
 
آليات متعددة
وافاد عضو الفريق الاعلامي لوزارة الصحة الدكتور محمد كاظم محسن بوجود آليات مختلفة تم توفيرها للمواطن كي يحصل على اللقاح، منها التسجيل المسبق عبر الموقع الالكتروني المخصص من قبل الوزارة وإدخال بيانات المستفيد وتحديد اقرب مركز صحي او منفذ لاعطاء اللقاح عن طريق تحديد موعد مسبق له، وهذه الطريقة وجدت لتسهيل مراجعة المستفيدين ومنع تجمع المواطنين وحدوث الزخم والازدحامات داخل المراكز الصحية، اما الآلية الأخرى فهي مراجعة المنافذ بصورة مباشرة والمتمثلة بالمراكز الصحية والمستشفيات المخصصة لتقديم اللقاحات، اذ تجاوز عددها (700) منفذ في عموم البلاد وقابلة للزيادة في حال استدعت الحاجة لذلك، اذ بإمكان المواطن الحصول على اللقاح في اليوم نفسه.
 
مناشئ رصينة
واوضحت مديرة شعبة التوعية في وزارة الصحة الدكتورة نور محمد علي أن جميع اللقاحات المتوفرة حاليا آمنة وذات فعالية جيدة، اذ عملت الوزارة على توفير اكثر من نوع، سواء عن طريق مرفق كوفاكس او من خلال التعاقد المباشر مع الشركات الرصينة المصنعة لتلك اللقاحات، بهدف ضمان وصول اللقاح بأسرع وقت وشمول اكبر عدد من المواطنين، ومن هذه الأنواع فايزر الذي خصص له ما بين 50-60 منفذا في عموم البلاد، اذ سيصل على شكل دفعات أسبوعية، وسينوفارم الصيني ولقاح استرازينيكا، فضلا عن اللقاح الروسي وأنواع أخرى سوف يتم التعاقد عليها تباعا وبحسب اللجنة الوطنية لانتقاء الادوية وقراراتها بهذا الخصوص.لافتة الى أن الايام المقبلة ستشهد وصول دفعات واعداد أخرى من اللقاحات بمختلف أنواعها ومناشئها، نتيجة التعاقدات التي ابرمتها الوزارة مع الشركات العالمية المصنعة بصورة مباشرة وكذلك عن طريق مرفق اتاحة لقاحات» كوفيد - 19 «على الصعيد العالمي كوفاكس.
 
الأمان الاجتماعي
الباحثة بالشؤون النفسية والاجتماعية الدكتورة ندى العابدي بينت أن فقدان الفرد للامن والاطمئنان يجعله عرضة للاصابة بالكثير من الامراض وبالتالي تقل مناعته لمواجهتها، وما واجهه المجتمع العراقي خلال فترة الجائحة لم يكن بالامر السهل، خصوصا في الجانب الاقتصادي للمواطنين والوضع المعاشي لهم، وتحديدا فئة الكسبة وعمال المشاريع الخاصة الصغيرة من محال ومطاعم وغيرها من المهن الحرة الذين كانوا الاكثر تأثرا بجائحة كورونا وإجراءات الغلق والحجر الصحي المناطقي، وبالتالي اصبح الفرد مهددا اقتصاديا وبقوت يومه على وجه التحديد، الامر الذي تسبب بغياب الاستقرار الاقتصادي للشخص، وهذا يجعله عرضة لفقدان (الأمان الاجتماعي) الذي يعمل بدوره في اتجاهين، أولهما التأثير في مناعة الشخص وتخفيضها وجعله فريسة سهلة للإصابة بالامراض والانتكاسات الصحية، وفي الوقت ذاته يعمل على تعطيل الطاقة الإيجابية للشخص كفرد ناجح في المجتمع ما يؤثر في انتاجيته في مختلف المجالات، سواء كان في المحيط الاسري او مجال العمل.
 
سلوكيات عنيفة
وعزت العابدي ارتفاع نسبة العنف الاسري والجريمة في المجتمع بالآونة الاخيرة الى الانعكاسات النفسية السلبية التي اثرت في الافراد وسلوكياتهم مع افراد مجتمعهم واسرهم، اذ شهدت الفترة المنصرمة ظهور العنف بشكل واضح نتيجة للضغوط النفسية ومشاعر الكبت والخوف والقلق التي رافقت اجراءات الحظر الصحي، والاضطرار الى المكوث داخل المنازل، ما رفع من وتيرة المشكلات الاسرية.
موضحة أن هناك ضرورة ملحة لتوفير الضمان الاجتماعي اسوة بدول العالم، لكونه يوفر متطلبات العيش الأساسية، ويحفظ كرامة الفئات الأكثر تضررا مثل الاسر المتعففة والكسبة وعمال الأجور اليومية الذين انعكست عليهم إجراءات الغلق وحظر التجول الصحي وتحديدا على حياتهم الاقتصادية بصورة كبيرة، كما يجب العمل على التخفيف من هذه الآثار عن طريق التوعية والتثقيف الإعلامي، والاهتمام بوضع خطط وبرامج متكاملة للعلاج والصحة النفسية، خصوصا ان الجائحة ستترك مشكلات نفسية لا تعد ولا تحصى ومنها الاكتئاب والقلق والخوف من التقارب الاجتماعي والوسواس القهري وغيرها من الامراض التي تسيء الى الحياة الاجتماعية مستقبلا.
 
الأمراض المزمنة
ودعت طبيبة الاسرة والمجتمع في احد المراكز الصحية بقاطع الرصافة الدكتورة لينا عبد الحسين الى ضرورة التحصين باللقاح، خصوصا لمن يعاني من الامراض المزمنة او المناعية ومن يشكو من الاعتلالات الصحية المختلفة، كاشفة عن اهم فوائد  اخذ «لقاح كوفيد – 19» في الوقت الحالي وهي الوقاية من المضاعفات الخطيرة او الوفاة نتيجة للاصابة بالفيروس، كما يمنع من انتقال الفيروس الى الآخرين، اذ كلما زاد عدد الافراد الملقحين قلت الإصابات وبالتالي يقل الانتشار، فضلا عن منع الفيروس من التناسخ والانتشار، وهما العمليتان اللتان تسمحان له بتكوين طفرات جديدة قد تكون اكثر مقاومة للقاحات فيما بعد، داعية الى أهمية الاستفادة من تجارب الدول الأخرى ووصولها لمراحل متقدمة في عمليات التلقيح والتطعيم ضد الوباء، الامر الذي سيسمح بتقليل القيود على الحركة وفرض الحظر الصحي وبالتالي الرجوع بوتيرة اسرع الى الحياة الطبيعية.
 
مناعة القطيع
عضو الفريق الاعلامي لوزارة الصحة الدكتور محمد كاظم بين انه لا بد أن يتم تلقيح 70 بالمئة من سكان العراق بهدف الوصول الى مناعة القطيع، ولكن نسبة الاقبال على التطعيم مازالت دون مستوى الطموح مقارنة مع دول العالم الاخرى، ومن اللافت للنظر أن الطواقم الطبية والعاملين في المؤسسات الصحية قد تصدروا اعداد الملقحين وهم الفئة المستهدفة بالدرجة الأولى في الاساس، الامر الذي شجع باقي الفئات فيما بعد على التطعيم.
مؤكدا ان الجهات ذات العلاقة اتخذت اجراءات مختلفة، ومنها فرض اللقاح على الراغبين بالسفر والزام موظفي ومراجعي الوزارات والمؤسسات باخذه ضمانا لسلامتهم، وكي يزاولوا اعمالهم باطمئنان، ودعا كاظم الى ضرورة الاستمرار بارتداء الكمامة والتباعد الاجتماعي، لان الاجسام المضادة تحتاج الى وقت كي تتكون داخل الجسم، فضلا عن أهمية الالتزام بالشروط الصحية الأخرى مثل التعقيم بصورة دورية خلال اليوم، والتغذية الصحية الغنية بالفيتامينات والمعادن التي تعزز المناعة مثل فيتامين سي وغيره من الفيتامينات المعززة لمناعةالفرد.
 
حملات مضادة
وبشأن أسباب الاقبال الخجول او رفض اللقاحات من وجهة نظر نفسية واجتماعية قالت العابدي: «هنالك حملات إعلامية مضادة يشهدها العالم خلال هذه الفترة، بما يخص اللقاحات، اذ شكل الانفتاح على وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها سببا لاطلاع الافراد على الامور السلبية والايجابية لمختلف مجالات الحياة، فضلا عن مستويات الثقافة المختلفة التي يتمتع بها الافراد في التعاطي مع هذه الامور، ولذلك من الملاحظ ان هناك جهات مجهولة تسوق لفكرة وجود خطورة وعدم امان في تلك اللقاحات، ومنها الادعاء بانها تغير من الجينات الوراثية وغيرها من الافكار التي تفتقر الى الاساس العلمي، او تركز على بعض الحالات التي عانت من اعراض جانبية عند تلقيحها، وهو ليس بالامر الغريب، اذ من المتوقع أن يتعامل جسم الانسان بصورة مختلفة مع هذا اللقاح».
كما تعتقد العابدي ان موضوعة اللقاحات يمكن أن تضاف الى العبء النفسي الذي يعاني منه المواطن بسبب الجائحة، ولغرض كسر هذه الصورة المظلمة هناك حاجة الى الجهد الاعلامي والتوعوي كدعاية مضادة للاصوات التي تدعو الى نبذ اللقاح وعدم اخذه، باستخدام شخصيات فنية وثقافية ذات قبول لدى الجماهير، بهدف إيصال الرسائل المطلوبة وإظهار الجانب الإيجابي لهذه العملية التي من الممكن أن تكون بداية النهاية لهذه الجائحة.