ملازمة المؤمنين لإذكار الاستغفار في شهر الصيام

منصة 2021/05/08
...

  بيداء مهدي
 
الاستغفار مفهوم ديني ينتقل بالانسان من مرحلة الوقوع في الانحراف إلى مرحلة تجاوزه والعودة إلى الهداية والاستقامة، وهو نقلة نوعية في مسيرته وحركته الفردية والاجتماعية، فالنفس الانسانية حين ترتكب الخطيئة يختل توازنها وتماسكها، وتصبح عرضة للوساوس والهواجس، فيجد الشيطان طريقه إلى هذه النفس ومن ثم يقودها الى الانحراف تلو الانحراف. غير أن الاستغفار يردها الى الاستقامة ويقوي صلتها بالله تعالى.
والاستغفار علاج واقعي للانحراف ويسهم في اجتثاث آثاره السلبية على القلب والارادة  وعن أمير المؤمنين علي (ع) أنه قال: (عليكم في شهر رمضان بكثرة الاستغفار والدعاء، فأما الدعاء فيدفع البلاء عنكم، وأما الاستغفار فتمحى به ذنوبكم). ويندد نبينا الأكرم (ص) بمن يحرم نفسه من الحصول على مغفرة اللَّه في هذا الشهر العظيم بقوله (ص): (الشقي من حرم غفران اللَّه في هذا الشهر العظيم)، كما يقول (ص) في اهمال الاستغفار: (من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فأبعده الله) وأيضا: (من لم يغفر له في شهر رمضان ففي أي شهر يغفر له). 
وليس رمضان سوى مدرسة روحية، ودورة تربوية يتخرج منها الإنسان وقد تخلق بخصال الخير والصلاح، ليمارسها في بقية أشهر السنة. إن الاستغفار الحقيقي ليس هو مجرد قول (استغفر الله) وتحريك اللسان بهذه الألفاظ، بل إن هذه الألفاظ ينبغي لها أن تكون شعارا ظاهرا لقرار عميق الجذور في نفس المؤمن المستغفر.
 والواقع إن صدقية الاستغفار مرهونة باشتماله على خطوتين رئيسيتين مهمتين، هما:
الأولى: اكتشاف الخطأ، والإقرار بوجوده، وأنه خطأ لا يجوز الاستمرار عليه.
الثانية: التصميم على الإقلاع عنه والتخلص منه.
 فإذا ما عرفت الخطأ وشخصته، ثم صممت على تجاوزه والإقلاع عنه، فتعلن حينئذ عن قرارك القلبي ذلك، بلسانك وتقول: (استغفر الله ربي وأتوب إليه).
 إن الاستغفار بهذا المعنى يتحول من ذكر مجرد، إلى نقلة نوعية نحو واقع أفضل وأصوب، ويصبح دواء لأمراض الإنسان وعلله، إذ يقول الرسول (ص): (ألا أدلكم على دائكم ودوائكم؟ ألا إن داءكم الذنوب ودواءكم الاستغفار).
 أما إذا كان الاستغفار مجرد تحريك اللسان، ولا يكشف عن أي تصميم داخلي للإقلاع عن الذنب فإنه؛ والحال هذه؛ يتحول إلى ذنب يؤاخذ عليه الإنسان، وما أبلغ الحديث في الإشارة إلى هذه الحقيقة الملفتة للانتباه: (الاستغفار مع الإصرار ذنوب مجددة)، ذلك إن هذا الاستغفار عبارة عن وعد قولي قاطع مع عزم داخلي على عدم الوفاء به، والله تعالى مطلع على ما في نفسك. 
يروى أن أمير المؤمنين عليا (ع) سمع رجلا يقول أستغفر الله، فقال: ( ثكلتك اُمّك أو تدري ما حدّ الاستغفار؟ الاستغفار درجة العلّيين، وهو اسم واقع على ستّة معان:
الندم على ما مضى والعزم على ترك العود إليه أبدا وأن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله عزّوجلّ أملس ليس عليك تبعة وأن تعمد الى كل فريضة ضيّعتها فتؤدي حقّها وأن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت والمعاصي فتذيبه بالأحزان حتى تلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد وأن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية).
والاستغفار عموما فرصة جديدة لاصلاح النفس والعودة الى الاستقامة، بعد التغلب على اليأس والقنوط من الاصلاح والتهذيب، وبهذه الفرصة يجد الانسان الأمل والتفاؤل لكي يسمو ويتكامل ضمن التعاليم والارشادات الصالحة.