حسن عودة الماجدي
كلنا يعرف الاستاذ المرحوم (احمد أمين العراقي)، مؤلف كتاب "التكامل في الاسلام" وهذا الكتاب الذي قلّ مثيله بين المؤلفات وعلى شتى المستويات، وأولها الدينية والفلسفية وعلوم النفس والموضوعات المتسارعة في عصره. أما الذي يهمنا في هذا المقام من كتابه الواسع الوقع في ثلاثة مجلدات، فإنه يذكر في الصفحة (23) مواقف يعبر عنها القرآن الكريم في ما يتعلق بتعظيمه أمر العلماء.
وكذلك الشهادات البارزة من غير علماء الأديان، والتي تدحض مخرجات (ارنست رينان) أحد فلاسفة الغرب والذي كان يقول فيها بأن الاسلام قد حارب العلم والفلسفة.
ولعلّه في هذا أراد أنّ يقرن الإسلام بكنيسة القرون الوسطى التي حاربت العلم والعلماء وأبادت كثيرا منهم، حتى انك ترى فضلا عما قاله العالم الغربي (لاروس) الذي كان يستهزئ في قاموسه بالدين، بقوله: (إنّ الدين عبارة عن مجموعة مقررات تنافي العقل والفكر الحر)، في حين أن الاسلام يقول (لا دين لمن لا عقل له،) ويقول القرآن: (لا تقف ما ليس لك به علم)، كما قال تعالى: (إنّ السّمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا)، الاسراء (36)، وقال: (أَمْ تَحسَبُ أَنَّ أَكثَرَهمْ يَسمَعونَ أَوْ يَعقِلونَ إِنْ همْ إِلا كَالأَنعَامِ بَل همْ أَضَلُّ سَبِيلًا) الفرقان (44).
وفي هذا الحيز العظيم نستشهد بما نقله الدكتور أحمد أمين في كتابه من قول الامام علي (ع): (إن الله تعالى أرسل أنبياءه ليثيروا في الناس دقائق عقولهم ويهدوهم الى معايش تحييهم)، وهذا هو الدستور الذي يحقق سعادة الدنيا في حقل الفكر والمخترعات والحقول الأخرى كالاقتصاد والاجتماع، والأهم من ذلك يحقق السّعادة الأبدية في الآخرة عبر التوجه الى خالق السموات والارض من خلال تزكية النفس والمعرفة الحقة.
لقد عظم القرآن الكريم أمر العلماء في جملة آيات بقوله تعالى (قل هَلْ يَستَوِي الذِينَ يَعلَمونَ وَالذِينَ لَا يَعلَمونَ إِنمَا يَتَذَكرُ أولو الْأَلبَابِ) الزمر9، و(يَرْفَعِ اللَه الَذِينَ آمَنوا مِنكمْ وَالَذِينَ أوتوا العِلمَ دَرَجَاتٍ) المجادلة11، و(شَهِدَ الله أَنه لاَ إلـهَ إِلا هوَ وَالْمَلائِكَة وَأُوْلو العِلمِ قَآئِمَاً بِالقِسطِ) ال عمران 18.
وندب القرآن الى البرهان الذي أراد بالنّاس أن لا يتقبلوا أي مبدأ أو عقيدة أو مسلك من المسالك بلا دليل، بقوله تعالى (قل هَاتوا بُرْهَانكمْ إنْ كنتمْ صَادِقِينَ ) البقرة 111، وآية أخرى (قل هَل عِندَكمْ مِنْ عِلمٍ فَتخرِجوه لَنَا إِنْ تَتَبِعونَ إِلَّا الظَنَّ وَإِنْ أَنتمْ إِلَّا تَخرُصُونَ) الانعام 148.
فكم من آيات في القرآن الكريم تحث على التفكر والتعقّل وهذا الدليل القطعي للاعجاز القرآني في تعظيم أمر العلماء. ويشير صاحب التكامل في الاسلام الى بعض مفكري الغرب الذين تحدثوا عن الاسلام، ومنهم (لواندر كوذرد) الذي قال إنه ليس في الاسلام كهنوت (الكهنة) ولا سلطة كنيسة، لكنه يضع للحكومات دستوراً.
وقال الفيلسوف (جيبون) إنّ الدستور الاسلامي دستور شامل موحد بين الجميع من الرأس المتوج الى ابسط الناس، لأنّه يقوم على حكمة أنتجها أوسع العقول معرفة وعلماً بهذه الحياة، وقال آخر في هذا المسار (دافيد بود) إنّ القرآن دستور اجتماعي مدني تجاري حربي قضائي، وفوق كل ذلك فإنه سماوي عظيم، وقال ايضاً في هذا الصّدد (وليم موير) إن جميع حجج القرآن طبيعية ودالة على عناية الله بالبشر. وقال الأخير في هذا البحث (جورج برناردشو): لا بد أن تعتنق الامبراطورية البريطانية النّظم الاسلامية قبل نهاية هذا القرن فلو كان محمد (ص) قد بعث في هذا العصر وكانت له دكتاتورية على هذا العالم الحديث لنجح تماماً في حل أعظم المشكلات العالمية وقاد العالم بأسره الى السعادة والسلام.