طيور الفلامنغو..ضحية صيد جائر وتجارة غير قانونيَّة

بانوراما 2021/05/17
...

  كوينتن مولر 
وسيلفان ميركاديير
  ترجمة: ليندا أدور
خلال أشهر الشتاء، ومع هجرة طيور الفلامنكو (أو النحام في اللغة العربية) الى الأهوار، يكون الصيادون بانتظارها، وكذلك الزبائن الذين يرغبون باقتنائها ليجملوا بها حدائقهم.
«هل الفلامنغو هو ما تبحث عنه؟ تعال الى مكاني بعد الواحدة ظهرا»، يهمس «مصطفى» من داخل متجره الصغير في سوق الطيور وسط مدينة العمارة الذي يعج بأصوات جميع أنواع الطيور البرية والمنزلية، حيث يبيعها منذ أكثر من ثلاثين عاما. 
في محافظة ميسان، التي تقع وسط الأهوار، التي صنفت ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو، قد يكون صيد الطيور عملا مربحا، ما يجعلها تحتل مركز الصدارة في عمليات الاتجار غير المشروع بالطيور، والذي يعد شريان الحياة بالنسبة للكثير من أسر تلك المنطقة الفقيرة.
 
مقصد الأغنياء
يتحدث مصطفى، من منزله الصغير المبني بالطوب بإحدى ضواحي العمارة، ويقول بأنه يبيع أنواع مختلفة من الطيور، غالبا، للأغنياء في البلد أو الأجانب من دول الخليج، يقول: «يقطعون كل تلك المسافات الى هنا، لغرض الحصول على طير واحد أو أكثر أحيانا». 
«يسعى الناس لشرائها لأجل تزيين حدائقهم بها، او وضعها في حدائق حيوان خاصة» يقول علي، من على سطح منزله وهو يفتح بوابة قفص كبير مليء بطيور الفلامنغو الثرثارة، مضيفا «وأنا هو الشخص الذي يجهز الكثير من المشترين» معترفا بالقول: «إن الكثير من طيور النحام تنفق في الأقفاص، خلال أيام الصيف الحارة»، مضيفا «أبيع، عادة، ما بين واحد الى عشرة طيور شهريا خلال الشتاء، فهو موسم الذروة، وقد يشترونها حية كانت أم نافقة، لأن الكثير من الناس يأكلون لحومها».
تهاجر طيور الفلامنغو باتجاه الأهوار جنوبي العراق خلال شهور الشتاء، بدءا من تشرين الأول وحتى شباط، حيث تكون درجات الحرارة معتدلة الى جانب وفرة الغذاء، ويصل سعر تلك التي يتم أسرها ما بين 30 الى 40 ألف دينار. ممسكا بطائر فلامنغو تحت ذراعه بإحكام، يقول مصطفى لا يوجد تهديد لعمله هذا، رغم صدور قرار محلي يحظر الصيد الجائر لطيور الفلامنغو. مع ذلك، يبقى حذرا بقوله: «لا أعرض طيور النحام في متجري، فلا داعي لذلك، والناس تعرف أين تجدني، وإذا ما أرادوا طائرا، ألتقيهم في منزلي أو يمكنني توصيله مباشرة لهم حيث يريدون».
 
لا قانون يحميها
وفقا لسمير عبود، مدير عام دائرة بيئة ميسان، لا وجود لتشريع يحمي طيور الفلامنغو، ومع ذلك، فالعديد من الاتفاقيات الدولية، التي صادق عليها العراق، تنص على حماية الطيور المهاجرة وتمنع صيدها في الأهوار، لكن العمل بها لا يزال محدودا. «لكون مناطق الصيد تقع في المنطقة الحدودية، وضمن سلطة حرس الحدود، ما يجعل من الصعب على الشرطة المحلية السيطرة عليها أو القيام بعمليات إلقاء قبض»، والحديث لعبود. وكان قد صدر قرار محلي بحظر المتاجرة بطيور الفلامنغو في الأسواق بعد حملة قادها «دكتور حمودي»، الناشط المدني والبيئي في العمارة.  
رجل آخر يدعى أحمد صالح، اشترى بعض طيور النحام وجلبها الى حديقته التي وضع فيها نافورة مضاءة بمصابيح بألوان الزهري والأزرق والأحمر، وقد جلب له شقيقه الطيور مؤخرا، يقول صالح: «عندما أحضرنا الطيور، كانت بحالة سيئة، لا يمكنها حتى الوقوف، لكنها عندما شاهدت النافورة، تحسنت حالتها وبدأت بالحركة، ومنذ فترة وأنا أبحث عن الفلامنغو، لكونه طائرا جميلا ومن الجميل ان تضعه في الحديقة». لافتقارها للمساحة المطلوبة للإقلاع، لا يمكن لهذه الطيور  الهروب من حديقة صالح، كما يعمد الصيادون ومالكو الطيور، في بعض الأحيان، الى قص ريش رئيس لمنع الطائر من التحليق بعيدا. أما علي أبي حسين، فقد اشترى ثلاثة طيور نحام قبل سبع سنوات، يقول: «لم يقص ريشها على الإطلاق، ومع ذلك لم تهرب، وأظن انها تحولت الى نوع من الحيوانات الأليفة»، مضيفا بأنه يسمح لها بالتحرك بحرية في مزرعته الواقعة في ضواحي العمارة. 
 
تهديد ووعيد
يشتري مصطفى، بائع النحام، طيوره من الصيادين في منطقة الشيب، ذات المستنقعات الكبيرة والحدودية مع ايران، لكنه يرفض اصطحاب أي شخص الى هناك بقوله: «لا يسمح للغرباء بدخول مناطق الصيادين». لكن «الدكتور حمودي» الذي يعرف تلك المنطقة جيدا يعلق بأن  الآلاف من الطيور في الأهوار يتم صيدها، وأنه يقوم بتزويد شرطة البيئة بالمعلومات لمساعدتهم في عملهم، مشيرا الى أنه يبادر بشراء الحيوانات البرية، بانتظام، من السوق السوداء لأجل إعادة إطلاق سراحها ثانية، يقول: «حتى الآن، ساهمت بتحرير 17 طائر فلامنغو الى جانب العديد من الحيوانات الأخرى». لكنه غالبا ما يتعرض للتهديد من قبل الصيادين، بقوله: «عندما يلاحظون اقترابي منهم، يعمدون الى تهديدي بالسلاح ويطلبون مني الابتعاد عن منطقة عملهم». 
عرف عن الأهوار بأنها كانت معقل معارضي نظام صدام، ودخلت في مواجهة مع جيشه خلال تسعينيات القرن الماضي، لتظل تلك المنطقة، مذاك، مكانا لا وجود للقانون فيه، اذ أصبح صيد الفلامنغو الجائر، مثل تهريب المخدرات والسلاح، تجارة كغيرها من الأعمال. 
 
صحيفة الغارديان البريطانية