د.عبد الخالق حسن
قبل سنوات، وبالتحديد سنة 2017، أعلنت الدنمارك تعيين كاسبر كلينغ بمنصب سفير في وادي السليكون، المنطقة التي تقع في ولاية كاليفورنيا الأميركية، وتضم أهم وأكبر شركات التكنولوجيا، فضلاً عن شركات التواصل الاجتماعي التي صارت اليوم تحتل المراتب الأولى، من حيث قيمة الأرباح أو القيمة السوقيَّة التي تقدر بمليارات الدولارات.
وادي السليكون اكتسب اسمه من كثرة رقاقات السليكون المستعملة في الأجهزة، التي تنتجها الشركات فيه، فغلب عليه ما يعرف في البلاغة العربية تسمية الكل باسم البعض، يمتلك هذا الوادي اليوم أغلب أسرار المستقبل، إنْ لم يكن جميعها، فضلاً عن أنه المسؤول الأول عن تقرير شكل المستقبل وتحولاته وكيفيَّة الانتقال إليه، لأنَّ العقول التي تعمل في هذا الوادي تمثل طليعة العقول العالميَّة التي تتعاقد معها الشركات العاملة هناك من جميع أنحاء العالم، لهذا فإنَّ جميع العيون تنظر دوماً وتترقب كل جديد تبشر به هذه الشركات، التي أصبحت اليوم الإنسانيَّة لا غنى عن ابتكاراتها ومقترحاتها التكنولوجيَّة.
فمن المؤكد أنَّ هذه الشركات بما تنتجه جعلت الحياة اليوم مليئة بالمتغيرات التي ما عادت الدهشة وحدها تكفي لاستيعابها، فضلاً عن أنها جعلت العالم كله بين يدينا من خلال مجموعة رقاقات رقميَّة داخل أجهزتها المتطورة التي تعمل على تحديث محتوياتها كل لحظة.
لهذا علينا أنْ نتخيل شكل الحياة اليوم، من دون الطفرات الهائلة التي أحدثتها هذه الشركات في حياتنا وأنماط تفكيرنا.
وبالعودة إلى موضوعة تعيين الدنمارك لشخص بمنصب سفير لدى هذا الوادي، الذي يدير العالم اليوم، وهي بهذا تكون أول دولة تعيّن سفيراً فيه، فإنَّ المبررات التي تحدث عنها السفير تكشف عن قيمة هذا الوادي ومدى تأثيره.
إذ تحدث عن كون هذه الشركات العاملة في الوادي ترسم السياسات العامة وتؤثر فيها، مثلما تؤثر أي دولة حقيقيَّة، بمعنى أنه يتعامل هنا مع هذه الشركات كونها المالكة الحصريَّة للمستقبل، وإيماناً من دولته بهذه الحقيقة، فإنَّ بناء علاقات شراكة مع شركات هذا الوادي يغدو أمراً مربحاً لدولته الدنمارك، التي ما زالت علاقتها إلى اليوم متوترة مع الولايات المتحدة، بسبب جزيرة غرينلاد الواقعة في قلب المحيط الأطلسي. لكن مع هذا، نرى أنَّ الدنمارك تتجاوز كل ارتباكات علاقتها مع أميركا، البلد الأم لهذه الشركات وتتقدم بخطوات غير مسبوقة، لتمنح هذا الوادي اعترافاً فريداً في كونه أشبه ما يكون بالدولة القوية، التي قد تتفوق في قوتها على دولتها الأم أميركا. والدنماركيون طبعاً هنا محقون، إذ إنَّ هذه الشركات قد عززت مكانة أميركا وجعلتها تتحكم بمرور مليارات إنْ لم تكن ترليونات المعلومات يومياً، من خلال شبكاتها وأجهزتها ومواقع التواصل والانترنت الذي تصدره وتبيعه أميركا إلى كل دول العالم.
لهذا ومن باب الاعتراف بقيمة هذا الوادي، نحت السفير كلينغ مصطلح (تيكبلوماسي) من مفردتي تكنولوجيا ودبلوماسية للتعبير عن طبيعة مهمته غير المسبوقة، وليدخل بهذا مفهوماً جديداً إلى المعجم التداولي للغة يشير إلى تحولٍ فكري وسياسي سبقت الدنمارك إليه غيرها من الدول يتمثل في توظيف الدبلوماسيَّة في مهمة جديدة بعيداً عن بروتوكولات السياسة.