ربيع نادر
جُملٌ مثل؛ «الحكومة هذه أقوى من البرلمان»، أو «البرلمان السابق أقوى من الحكومة السابقة»، أو «رئاسة الجمهوريَّة أقوى الرئاسات»، باتت مألوفة على المسامع ومتاحة للطرح كلّما تعرّضنا لعملية تقييم عامة لأداء مؤسسةٍ من مؤسسات الدولة. والحديث يُساق عادة من زاوية القوة على حساب مؤسسة أخرى.
ويبدو أنَّ هذه الطريقة الغرائبيَّة تستمدُّ وجودها من عدة عوامل أهمها؛ أنَّ هناك فعلاً من يسعى وراء أنْ يكون قوياً على حساب غيره، وهذه الحالة هي أبرز مُخلفات الغموض في تطبيق الدستور العراقي، أو النقص المزمن في تفسيره منذ اللحظة الأولى لوجوده.
إنها ليست مسألة تفسير مجرّدة فقط، بل إنَّ الأمر يتعلّق بقصورٍ في أصل المواد العاملة، بحيث إنَّ الدستور لا يمنح المؤسسات الكبيرة القوة المطلوبة للقيام بواجباتها من دون أنْ تكون عُرضة للاحتكاك مع مؤسسة أخرى.
التفسيرات المزاجيَّة ووجهات النظر الشخصيَّة في تأويل بعض الجوانب في الوثيقة الأعلى في البلاد، أوجدت مناطق متنازعاً عليها بين المؤسسات الكبرى، تتغير السيطرة فيها طبقاً لقدرة كل طرف على الاستثمار بـ «الاستقواء» وتوظيفه لصالحه، (الدعم الخارجي، المال السياسي، السلاح..الخ). وباتت ظاهرة فرض القوة بين مؤسسة وأخرى، أحد أسباب التعجيل بمراجعة الدستور بعد رحلة ليست بالقصيرة وكانت كافية لاختباره. والتأجيل هنا ليس مُبرراً, إذ لم يعد هناك شيء من ضرورات المراجعة إلّا وحصل في المشهد العراقي؛ الاضطراب السياسي، الشلل الذي رافقنا، والخطر الدائم الذي تواجهه العملية السياسيَّة، كل هذه أسبابٌ كفيلة بدفعنا الى طلب فحصٍ شاملٍ وبحثٍ عن نقاط الضعف. يصبح الأمر ملحّاً بعد سنوات من الانتظار القسري والذرائع التي كانت تُساق للتهرب من هذا الاستحقاق، مرّة باسم «اللحمة الوطنيَّة» ومرّة باسم «الحرب على داعش».