إسرائيل التي نعرفها

العراق 2019/02/13
...

قيس قاسم العجرش
 
 نصف سكان العراق اليوم قد تشكّل وعيهم السياسي والاجتماعي خارج صندوق الدكتاتورية في حقبة ما بعد 2003. يعني أنهم لم يكونوا مضطرّين إلى نهل معارفهم من وسيلة إعلام شمولية تسيطر عليها الدولة، ولم تجبرهم الحكومة على تبنّي وجهات نظر سياسية بعينها. ولأنّ إعلام النظام البعثي كان يتغنى بحنجورية مُفرطة بقضية فلسطين، لهذا صار عند قسم كبير من الناس فكرة مفادها: ان الموقف من إسرائيل ومن القضيّة الفلسطينية إنما هو كذبة من كذبات ذلك النظام وهي كثيرة، لذا فلا داعي لأن نتخذ أي موقف سلبي تجاه إسرائيل.
نصف هذا الإدراك صحيح، والنصف الآخر مُضلل و تائه. 
إسرائيل حالياً هي دولة عضو في الأمم المتحدة، ولكن ليس هناك في الميثاق الأممي ما يجبر الأعضاء على أن يعترفوا ببعضهم بمجرّد العضوية في المحفل الأممي. ولهذا نجد أن 18 بلداً عضواً كامل العضوية في الأمم المتحدة لا تعترف بإسرائيل، ولا تقبل الجواز الإسرائيلي. بينما تعترف 137 دولة من دول العالم بفلسطين كدولة، وهي لم تزل في منزلة(مراقب) في عضويتها بالأمم المتحدة، ولا تتمتع بحالة دولة كاملة العضوية. 
هذا الوضع الشائك والفريد في المنظومة الدولية تجاه الاعتراف الواسع بفلسطين كدولة، في مقابل عدم اعتراف إقليمي بإسرائيل أنتج حالة خاصة في العلاقات الدولية، وهي التذكير الدائم بأن إسرائيل هي(دولة غاصبة) لأراضي دولة أخرى. يعني أن اسم إسرائيل لا يكاد يُذكر إلا وذكر معه اغتصابها لأراضي دولة وشعب مُعترف به دولياً على نطاق واسع.
ماذا يُهم العراق من هذه القضية؟
مخطئ تماماً من يظن أن العراق لا دخل له، ولا مصلحة له في أمر ردّ هذا العدوان. فعضوية العراق الفاعلة في المنظومة الإقليمية ومعادلة الأمن الشرق أوسطية تجعل من هذه القضيّة معياراً للسلام في الشرق الأوسط. وبلا هذا السلام، لن يعيش العراق استقراراً ولا أمناً دائمين. كما أن ترتيبات الأمن في المنطقة لن تشهد التهدئة المنشودة ما لم ترتدع إسرائيل عن غيّها ووجودها الناتئ غير المنسجم مع أسباب قيامة الدول هنا في هذه البقعة من العالم.
لم يظهر العراق لأن بريطانيا قررت أن تكون هنا دولة بهذا الاسم، هذه عملية خزق لأعين الحقيقة. فلطالما كانت هناك دولة على أرض العراق، وعاصمتها بغداد. في الأقل خلال السنوات الألف الماضية. قد تتفكك أجزاء من العراق الحديث، وقد تنسلخ عنه مدينة أو مقاطعة، لكن الوجود العراقي ليس محلّ تساؤل أبداً، لا الآن ولا في غير أوان. لأن الدول في هذه البقعة من الأرض لا تظهر(كليّةً) استجابة لإرادة خارجية كما حصل مع إسرائيل. 
باختصار، فإن عضوية هذه(الدولة) في مصفوفة الدول الشرق أوسطية هي عضوية هشّة غير مبنية على أسس تاريخية، وبلا جذور حقيقية. (دولة) مفتعلة، لا تتمتع بانسجام مع جميع المجتمعات المحيطة بها. ولا تتواصل معها، بل أجزم بلا نبوءة بأن لا مستقبل لها.  هذه هي إسرائيل التي ظهرت في القرن العشرين، ولم يتغيّر أي توصيف من التوصيفات أعلاه لها.