المصريون يكتشفون مدينة الأقصر الذهبيَّة المفقودة

بانوراما 2021/05/19
...

  ايرين بلاكمور 
 
  ترجمة: شيماء ميران
تضم المدينة الملكية التي بناها الفرعون امنحوتب الثالث ويعود تاريخها إلى 3400 سنة، والتي هجرها ولده المنشق اخناتون، آثارا محفوظة بشكل مذهل. فمنذ 3400 سنة، تخلى الملك المصري القديم المثير للجدل عن اسمه وديانته وعاصمته في مدينة طيبة المعروفة اليوم باسم الأقصر. وقام الفرعون اخناتون ببناء مدينة (اخيتاتن) التي لم تدم طويلا، حيث حكم هو وزوجته نفيرتيتي وكان يعبد الشمس. وبعد وفاته، اصبح ولده توت عنخ آمون حاكم مصر وتجاهل إرث والده المثير للجدل.لكن ما الذي دفع اخناتون إلى التخلي عن طيبة التي كانت عاصمة مصر القديمة لأكثر من 150 سنة؟، ربما تكون الاجوبة موجودة في اكتشاف المدينة الملكية الصناعية داخل مدينة طيبة التي ورثها اخناتون من ابيه امنحوتب الثالث، وسيُحدث هذا الاكتشاف، الذي يطلق عليه اليوم اسم المدينة الذهبية المفقودة في الأقصر، الكثير من الحماس والتكهنات والجدل كتلك التي احدثها الفرعون المنشق الذي تركها.
 
ولأن المدينة قد تم اكتشافها ابتداءً في ايلول من العام الماضي، لم يقم علماء الآثار إلا بكشط سطح الموقع المترامي الاطراف، ومن الصعب تحديد أين يمكن ان يُصنف هذا الاكتشاف في الاهمية المصرية في هذا الوقت. ومع هذا، أثار مستوى الحفظ المُكتشف حتى الآن إعجاب الباحثين. يعود تاريخ الموقع إلى حقبة الفرعون امنحوتب الثالث، السلالة الحاكمة الثامنة عشرة، والذي حكم للفترة ما بين 1353- 1386 قبل الميلاد، وعاصر حقبة من الثروة والنفوذ والرفاهية غير الاعتيادية. لكن اخناتون بعد سنوات قليلة على وفاة والده (الذي دام حكمه من سنة1353 الى 1336 قبل الميلاد) انفصل عن كل شيء دافع عنه والده. وقلب الثقافة المصرية رأسا على عقب طوال فترة حكمه التي دامت 17 سنة، وتخلى عن جميع تقاليد البانتيون المصرية، إلا إله الشمس آتون. حتى انه غير اسمه من امنحوتب الرابع إلى اخناتون، ويعني المُخلص لآتون.
 
منطقة غنية بالثروات
لم يتوقف الفرعون المنشق عن العقيدة إلى هنا فحسب، بل نقل المقر الملكي من طيبة شمالا إلى مدينة جديدة تماما تسمى (اخيتاتن) وتعرف اليوم باسم تل العمارنة، وأشرف على ثورة فنية نقلت الفن المصري باختصار من جامد متماثل إلى فن مروي مفعم بالحيوية. لكن بعد وفاته، طمست معظم آثار فترة حكمه. بدءًا من ولده توت عنخ آمون والعاصمة اخيتاتن وفنه وديانته، حتى أن اسمه رفع ومسح بشكل ممنهج من التاريخ. إلى ان أحيا اكتشاف تل العمارنة في القرن الثامن عشر إرث القائد المنشق الذي غذى التكهنات الأثرية لمئات السنين.
لماذا وكيف حدث التحول المثير للجدل للفرعون؟، وكيف كانت الحياة اليومية في ظل حكم امنحوتب الثالث العظيم؟ ففي شمال المدينة يقع المعبد الجنائزي الذي أقامه أمنحوتب الثالث في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وإلى الجنوب مدينة هابو التي تضم المعبد الجنائزي الذي انشأ تقريبا بعد قرنين لاحقين للفرعون رمسيس الثالث. وكان علماء الآثار يأملون انه ربما تكون المساحة بينها تضم الهيكل الجنائزي، حيث وضع رعية توت عنخ آمون الطعام والمواد الجنائزية التي قدموها له عند وفاته عام 1325 قبل الميلاد تقريبا. وعوضا عن ذلك، اكتشفوا شيئا مختلفا تماما، يتضمن هياكل تملؤها المواد اليومية، يتعلق الكثير منها بالإنتاج الصناعي والفني الذي دعم عاصمة الفرعون. فضلا عن منازل ربما كان يسكنها الموظفون، مخبز ومطبخ، ومواد لها علاقة بإنتاج المواد المعدنية والزجاجية، ومبانٍ تبدو انها ترتبط بالإدارة، ومقبرة مليئة بقبور منحوتة في الصخور.
ورغم أن حجم المدينة لم يتم تحديده بعد، إلا ان تاريخها واضح بفضل الكتابة الهيروغليفية المنقوشة على مجموعة متنوعة من المواد، إذ عُثر على إناء يحتوي على رطلين من اللحم المسلوق يحمل نقش عام 37، وهي فترة تقديرية لحكم امنحوتب الثالث وابنه اخناتون. إضافة إلى الخنافس السوداء والطوب والأواني وغيرها الكثير التي تحمل النقش الملكي لأمنحوتب الثالث.
 
استعادة المدينة عدة مرات
توضح بيتسي بريان، استاذة الفن المصري والآثار في جامعة جونز هوبكنز، ان المباني ايضا تحمل نقش اسم ولده الذي سيصبح منشقا لاحقا. ورغم عدم اشتراكها في عمليات الحفر والتنقيب، إلا إنها ذهبت في اليوم الذي اكتشف فيه علماء الآثار سقفا طينيا صغيرا مختوما بكلمات هيروغليفية تقول «تم العثور على آتون الذي يحيا على الحقيقة». وأشارت بريان إلى: «ان هذه كانت كنية اخناتون». ورغم الإشارات إلى الملك الاصغر، لكنها تؤكد ان المدينة هي جزء من مجمع قصر والده في الشمال، الذي كان يسمى (نيبماتر) او آتون المبهر.ويبدو ان توت عنخ آمون قد استعاد المدينة التي تخلى عنها اخناتون خلال فترة حكمه وأسس عاصمة جديدة في ممفيس. كما ان الفرعون آي الذي ورث العرش عند زواجه بأرملة توت أعاد استخدامها ايضا. وأظهرت اربعة طبقات استيطانية مختلفة في الموقع عصور الاستخدام على طول الطريق إلى الحقبة البيزنطية القبطية الممتدة من القرن الثالث حتى السابع الميلادي. ثم تُركت تحت رحمة الكثبان الرملية حتى اكتشافها مؤخرا.لكن لماذا تم التخلي عنها خلال فترة حكم اخناتون القصيرة؟، تقول بريان: «لا اعلم ذلك، وسنقترب من اجابة ذلك السؤال من خلال هذه المدينة على وجه الخصوص. وما سنحصل عليه هو المزيد من المعلومات حول امنحوتب الثالث واخناتون وعوائلهما. انها الايام الاولى، لكن اعتقد اننا سنفهم المزيد من الروابط». ورغم ان المدينة المكتشفة حديثا لن تعطي ادلة عن لغز الفرعون المتمرد، لكنها سترسم صورة اكثر وضوحا عن الحياة التي تركها خلفه.