بالرغم من تلقيها جرعتي اللقاح منذ ثلاثة أسابيع، الا أن فرانشيسكا (46 عاما)، تعمل استاذة جامعية، لا تفكر بالتخلي عن وضع الكمامة التي باتت تعدها نوعا من «عباءة التخفي» حتى الآن. «ربما لأني أشعر دائما، ان عليَّ إظهار أفضل ما لديَّ للعالم من حولي»، تقول فرانشيسكا مضيفة «لكنه شعور بالارتياح لدي بعدم الكشف عن هويتي، فهو يشبه وجود مجال قوة من حولي يقول «لا تروني».
لكن فرانشيسكا ليست وحدها، فبعد مرور أكثر من عام على الجائحة، لا يزال البعض من الناس، وبشكل خاص النساء، يتردد في التخلي عن قطعة القماش تلك، التي تمثل رمزا فعالا لواقعنا المتغير.
الحريَّة العاطفيَّة
تقول بيكا مارشالا (25 عاما)، تعمل لدى متجر لبيع الكتب خارج شيكاغو، بأن: «هناك إجماعا مشتركا بين زملائي في العمل، إذ إننا نفضل عدم رؤية زبائن المتجر لوجوهنا»، مضيفة «ففي أغلب الأحيان، عندما يكون الزبون فظا أو يتفوه بألفاظ بذيئة، حينها لن يسمح لي بالتجهم او إظهار تعابير عدم الرضا على وجهي، لأن هذا التصرف سيغضبهم، لكن بوجود القناع، لن أكون مضطرة لأبتسم لهم او أحافظ على تعابير وجهي محايدة». تشير مارشالا بأنها صادفت زبائن شعروا بالاستياء الشديد عندما لم تبتسم لهم، بقولها: «أتعامل باستمرار مع أشخاص يرفضون فكرة ارتداء الكمامة، وقد تعرضت للمضايقة والإيذاء بسببها، فإن كان لبس الكمامة في الحديقة العامة سيبعدني عنهم، فأنا سعيدة
بذلك».
أما أيمي (44 عاما)، كاتبة سيناريو تسكن في لوس أنجلس، تقول بأن ارتداءها الكمامة في الأماكن العامة حتى بعد أخذها اللقاح يمنحها شعورا بـ «الحرية العاطفية»: «لا أرغب بالشعور بالضغط النفسي لأبتسم للناس لكي أتأكد من أن الجميع يعلم أنني ودودة ومحبوبة، هناك مساحة من الحرية لاستعادة تلك
القوة».
يتفق بوب هول (75 عاما)، باحث متقاعد بولاية نيوجيرسي الأميركية، مع وصفه لنفسه بأنه «ذو وجه قاتم بطبيعته، يميل أن يكون بغيضا لدى الآخرين»، يقول هول: «في الولايات المتحدة، هناك ما يلزمك بأن أبدو سعيدا، وأن ابتسم وأن أبدو أكثر سعادة، هو أمر مزعج بالتاكيد، لكن الكمامة حررتني من ذلك كله».
إحساس بالحماية
لبس الكمامة بالنسبة لإليزابيث (46 عاما)، معلمة تعيش بالقرب من أتلانتا، بولاية جورجيا الأميركية، قد نجح بتحقيق إنجاز يتعلق بما تعانيه من قلق اجتماعي، وهو ما عجزت عنه سنوات من العلاج والعقاقير في تحقيقه، من خلال منحها الشعور بالراحة اثناء وجودها في عالمها المحيط بها، تقول اليزابيث: «أعاني من قصر القامة والبدانة، وإن لم أضع كريم الترطيب باستمرار، وجهي يتعرض للتقشير»، مضيفة «فأشعر دوما بأني محاطة بعيون ساخرة ورافضة لي، ولم يحمني من هذا الشعور بالضعف شيء سوى لبس
الكمامة».
مع بداية تفشي الوباء، كان الكثير من الأميركيين الآسيويين والمهاجرين الآسيويين، ضحية للعديد من جرائم الكراهية، لذلك كانوا من اوائل من تبنوا مبدأ الالتزام بلبس الكمامة، لتوفر الحماية لهم من الوباء والعنصرية. لكن اليوم، وبعد أكثر من عام على الجائحة، صار البعض ينظر للكمامة على أنها شكل من أشكال
التنكر.
تقول جين سي هو (34 عاما)، صحفية علمية تعيش في سياتل، بأنها تحرص على وضع الكمامة والنظارات الشمسية قبل خروجها، لكي لا يرى أحد شكل عينيها وأنفها فيخمن أنها من أصول آسيوية: «أشعر بالإحساس بالحماية عندما لا يرى أي شخص
وجهي».
الهروب من نظرات الآخرين
إنَّ الشعور بالخصوصية الذي توفره الكمامة في الأماكن العامة، يمكن أن يوازيه الشعور بإمعان النظر والفحص الدقيق لبعض العاملين عن بعد عندما يعملون من المنزل. تقول هارتلي ميلر (33 عاما)، تعمل في مجال التقنية في سان فرانسيسكو، أن المكالمات المصورة عبر برنامج زووم في العام الماضي قد فاقمت من معاناتها مع اضطراب التشوه الجسمي، وهي حالة تتعلق بالصحة الذهنية تنطوي على هوس التفكير بوجود عيب محسوس في المظهر. تشير ميلر الى أن حالة القلق لديها تؤثر في أدائها لوظيفتها بقولها: «ذقني المزدوجة تبدو أكبر بست مرات، والأكياس تحت عيني تبدو منتفخة وبلون أرجواني».
مضيفة «حتى عندما يكون الطقس حارا، تجدني أرتدي كنزة ذات ياقة واقفة لكي أسحبها فتغطي ذقني، وأخفي الأكياس تحت عيني بمكياج سميك الى حد تقشر بشرتي». لذا، عندما تضع ميلر كمامة جراحية سوداء اللون تغطي ذقنها ونظارات شمسية لتخفي أكياس عينيها، يمنحها شعورا بالهروب من الفحص الدقيق، حتى في الأماكن العامة، «لذلك أنا أخطط لارتدائها في المستقبل المنظور بنسبة 10 آلاف
بالمئة».
*صحيفة الغارديان البريطانية