جهودٌ روسيَّةٌ صينيَّةٌ لإنشاء محطة فضاء قمريَّة مشتركة

بانوراما 2021/05/22
...

 مارك إبسكوبوس
 ترجمة: أنيس الصفار  
في أحدث مناسبة تشهد على تنامي العلاقات وتعمقها بين بكين وموسكو اتفقت الدولتان على بناء محطة فضاء قمرية مشتركة بينهما. فقد أعلنت “إدارة الفضاء الوطنية الصينية” و”روسكوزموس” الروسية مؤخرا مذكرة تفاهم تحدد الخطوط العامة لبناء مرصد فضائي متقدم أطلقا عليه اسم “محطة الأبحاث القمرية الدولية”. ورد في تصريح لوكالة الفضاء الصينية الرئيسية أن الصين وروسيا ستعملان على استغلال ما تراكم لديهما من خبرات في علوم الفضاء والبحث والتطوير، اضافة الى استخدام معدات وتكنولوجيا الفضاء، من اجل وضع وتطوير خارطة طريق مشتركة لبناء محطة ابحاث علمية 
قمرية دولية. 
 
تعد بكين حضوراً جديداً نسبياً في ميدان استكشاف الفضاء، ولكن ميزانيتها المخصصة لذلك لا تتقدم عليها سوى ميزانية الولايات المتحدة. في العام 2019 اصبحت الصين أول دولة تنزل مركبة فضائية غير مأهولة على الجانب البعيد من القمر. 
وقد جعل النجاح الذي حققته مهمة المركبة “تشانغ 5” في السنة التالية الصين إحدى ثلاث دول تعيد الاهتمام بالقمر الى الأضواء، والأولى التي تفعل ذلك خلال العقود الأربعة الماضية.
لم تتبين بعد الالية التي ستمكن الدول الأخرى من المساهمة في المشروع، كما لم تكشف روسكوزموس أو إدارة الفضاء الوطنية الصينية عن الجدول الزمني لاكتمال محطة الابحاث المذكورة ولكن المتحدث باسم الكرملين قال، من دون ذكر مشروع محطة الابحاث القمرية بالاسم، إن موسكو تقدّر التعاون الثنائي بين الولايات المتحدة وروسيا في مجال الفضاء، مضيفاً: “نحن نثمن التعاون الروسي الأميركي في مجال الفضاء الخارجي ونأمل له الاستمرار، وكلنا أمل ألا يذهب ضحية للعوارض المختلفة التي تثير المخاوف من روسيا”.
رغم ما شهدته العلاقات بين موسكو وواشنطن من تدهور سريع بعد تظاهرات “أوروميدان” 2014 في أوكرانيا وما اعقبها من ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، نجح استكشاف الفضاء في الصمود والبقاء كواحد من آخر ميادين التعاون المثمر بين الولايات المتحدة وروسيا. لكن هذه الشراكة التي صمدت طويلاً قد ينتهي بها المطاف الى التفكك، إذ يبدو ان “روسكوزموس” آخذة بالتحرك نأياً عن وكالة “ناسا” من اجل تعميق علاقاتها الثنائية مع الشريك الصيني. هذا الصدع الآخذ بالتوسع بين الولايات المتحدة وروسيا نشأ واستمر في التطور على مدى سنوات عديدة، وفي العام 2020 انتقد “ديمتري روجوزين”، وهو المدير العام لـ”روسكوزموس”، بصراحة مبادرة “آرتيمز” التي تقوم بها وكالة “ناسا” إذ وصفها بأنها “متمحورة حول الولايات المتحدة اكثر مما يجب”.
وفي وقت سابق من ذلك العام فندت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية “ماريا زاخاروفا” تعليقات الجنرال “جون دبليو ريموند” بشأن ما جاء في التقارير عن اجراء روسيا تجارب على صواريخ مضادة للاقمار الاصطناعية، واصفة إياها بأنها حملة مقصودة من جانب واشنطن لنزع المصداقية عن نشاطات الفضاء الروسية، ومبادرات السلام الهادفة لمنع حدوث سباق تسلح في الفضاء 
الخارجي.
لا يزال منتظراً من روسيا ان تجهز قفلاً هوائياً لـ”البوابة القمرية”، وهي محطة فضاء تتخذ مداراً حول القمر. 
في وقت سابق وصفت “ناسا” هذا القفل بأنه قطعة أساسية حساسة في برنامج “آرتيمز”، ولكن حتى هذه الالتفاتة الرمزية لإثبات حسن النية قد قضي عليها الان. ففي أعقاب الاعلان عن محطة الابحاث العلمية القمرية صرحت وكالة “ناسا” بأنها سوف تسعى وراء خيارات اخرى للحصول على القفل الهوائي. 
ويبدو أن مشروع محطة الابحاث القمرية سيكون منافساً لمشروع “البوابة القمرية” بدلا من أن يكون مكملاً له. لذا فإن المسرح مهيأٌ الآن لانطلاق سباق فضاء جديد بين القوى الكبرى، ومن باطن هذا السباق سوف تنبثق اسباب جديدة للقلق بخصوص عسكرة الفضاء الخارجي مستقبلاً. فالولايات المتحدة، ومثلها الصين وروسيا، تنشط حالياً في تطوير قائمة طويلة من الاسلحة التي تتموضع في الفضاء لتقوم بعملها من هناك، وإذ تستمر منظورات هذه القوى بخصوص تطوير استخدامات الفضاء الخارجي بالافتراق عن بعضها على المدى البعيد، تصبح التوقعات المقلقة بشأن حدوث تنافس عسكري مفتوح في هذا الميدان أقرب الى الواقع من أي وقت 
مضى.
الاعلان عن محطة الابحاث القمرية كان احدث محاور التحريك في المثلث الأميركي الصيني الروسي الستراتيجي القلق المعقّد. ففي اواخر العام 2020 صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن أي تحالف عسكري نظامي بين روسيا والصين ليس ملحّاً الان، ولكنه لم ينف وجود الاحتمال مستقبلاً. 
أما بكين فإنها ترفض بصراحة فكرة تشكيل جبهة عسكرية موحدة مع روسيا ضد حلف شمال الأطلسي “الناتو”، ولكنها تستمر في بث اشارات تنم عن دعمها للمبادرات الجيوسياسية، التي تهدف الى اضعاف نفوذ واشنطن عالمياً على نطاق واسع من الجبهات سياسياً واقتصادياً وتكنولوجياً. كما صرح وزير الخارجية الصيني “وانغ يي” بأن الصين وروسيا يجب ان تكونا شريكتين لمقارعة “الثورات الملونة” (وهو مصطلح له ارتباط قوي بانتقاد السياسة الخارجية للولايات المتحدة) قال وانغ: “علينا أن نصبح أنموذجاً في بناء الثقة الستراتيجة المتبادلة، وأن ندعم بعضنا البعض بقوة لصون مصالحنا الجوهرية الصميمة. يجب ان نضع يداً بيد لمعارضة الثورات الملونة ومقارعة التضليل الإعلامي بجميع 
صوره”.
في وقت سابق كانت وزارة الخارجية قد اعلنت بأن وزير الخارجية “أنتوني بلنكن” ومستشار الأمن القومي “جيك سوليفان” سيلتقيان بوزير الخارجية الصيني “وانغ يي” ومدير المفوضية المركزية للشؤون الخارجية “يانغ جي شي” في الاسكا ضمن أول لقاء رسمي منذ تولي الرئيس “جو بايدن” منصبه. وتعد هذه المحادثات أول اختبار مهم لقدرة ادارة بايدن في الضغط على الصين بخصوص حقوق الانسان، بينما تسعى للحصول على تنازلات صينية تتعلق بالتجارة والأمن السبراني. 
 
عن موقع “ذي ناشنال إنتريست” الاميركي