«مُذكّرات الرصاص».. عن بطولات الحشد الشعبي

منصة 2021/05/23
...

 رضا المحمداوي
خطوة تحسبُ لصالح مديرية الإعلام الحربي في هيئة الحشد الشعبي بإنجازها لسلسلة (مذكرات الرصاص) وهي من سيناريو وإخراج عباس العلاق، لتسجّل ريادتها الفنية بإنتاجها لهذا النمط أو النوع الدرامي الذي يعنى ويسلط الضوء على البطولات والتضحيات التي قدَمها وما زال يقدمها مقاتلو الحشد الشعبي في محاربتهم لعصابات داعش الإرهابية طوال السنوات التي قضوها في مطاردة تلك العصابات المجرمة وهي تحاول أن تشيع الموت والخراب والتطرف والجريمة
 
وعلى الضد من هذه القيم والأفكار الشاذة تأتي قصص وأفكار هذه السلسلة الدرامية (مُذكّرات الرصاص) لتنتصر إلى قيم الحياة وإبراز المواقف الإنسانية وذلك حينما تقدُّم هذه السلسلة معنى الحياة بوصفها بوتقة تصهر المواقف وتظهر أبطال الحياة ومواقفهم المُشرِّفة وذلك من خلال استحضار ذاكرة الحرب المثقلة بالرصاص، ذلك الرصاص المنطلق من أسلحة المقاتلين لإنقاذ تلك الحياة ومعانيها وقيمها.
تقعُ السلسلة في ست حلقات فقط، مستقلة عن بعضها البعض حيث تسّتقل كل حلقة بعنوانها الخاص وشخصياتها ومواقفها وموضوعها وقصتها الدرامية، وتبعاً لذلك فقد تباين المستوى الفني العام لكل حلقة منها، واختلفتْ المعالجة الدرامية والاسلوب الفني في طرح تلك الأفكار وتقديمها درامياً وإخراجياً.
ومن الحلقة الأولى المعنونة بـ(تراجي) انحازتْ (مذكرات الرصاص) إلى قيمة الحياة نفسها وإنقاذها من براثن الموت المنتشر وسط الخراب والدمار في مدينة الموصل وذلك من خلال إصرار الجد ذلك الرجل العجوز على صهر رصاص الظروف الفارغة للإطلاقات النارية المتناثرة في مشغله الخاص وإعادة صبها من جديد ليصوغ منها أقراطاً لحفيدته ويقدُّمُها هديةً لها ليتحوَّل رصاص الموت، هنا، على يد الإنسان صاحب التجربة والخبرة إلى هدية جميلة احتفاءً بعيد الميلاد حيث يتجدّدُ معنى الحياة والحرص على ديمومتها والحفاظ عليها.
ويتجدّدُ ذات المعنى في الحلقة الثانية (ابن الجنوب) حين يُركّزُ على التضحيات التي يقدُّمها أبناء الحشد الشعبي من سُكّان الأهوار على وجه التحديد وذلك من خلال معالجة ثنائية (الاستشهاد والولادة) بولادة الطفل الجديد مع وصول جثمان الشهيد، ورغم أنَّ هذه الثيمة الدرامية سبق لها أنْ قُدِّمَتْ مراراً في أعمالٍ فنيَّة عديدة إلاّ أن المخرج العلاق كان موفقاً في تقديمها ومعالجتها، وقد قدَّمَ المخرج، هنا، مشاهد بانوراميَّة رائعة لجثامين الشهداء الثلاثة المحمولة على الزوارق وهي تطوف في المساحات المائيَّة الشاسعة للأهوار.
وكان يمكن للحلقة الخامسة (صندوق) أنْ تكون أكثر تماسكاً وقوة من خلال معالجة وجود القناص الداعشي الذي يتربص بالجنديين العراقيين اللذين تعطلتْ سيارتهما في تلك المنطقة المقفرة، فالفكرة جيدة ومكتنزة درامياً لكنَّ معالجتها جاءت سريعة ولم يحكم بناؤها بطريقة
مشوقة.
أما الحلقات الثلاث الباقية (فرح) و(أشبال الخلافة) و(برقع) فإجمالاً لمْ تكنْ موفقة في بنائها بالمستوى الذي تستحق التوقف عندها والخوض في تفاصيلها.
وكان يمكن للحلقات الست جميعاً أنْ تكون أكثر إحكاماً من حيث الحبكة الدرامية والسرد الفني وبناء الشخصيات فيما لو أخذتْ كل حلقة وقتها الكافي ومساحتها الفنية المطلوبة، حيث غَلبَ على معالجتها وتقديمها أسلوب التمثيلية القصيرة أو الفيلم الروائي القصير بما عُرفَ عن الاثنين من تكثيف وإيجاز في تقديم المادة الدراميَّة القصيرة.
كما أنَّ جميع الحلقات كانت بحاجة إلى ممثلين محترفين ومتمرسين ولهم تجاربهم الفنية الناضجة من أجل إغناء الشخصيات الدرامية المُجَسّدة على الشاشة، فقد اعتمدتْ السلسلة في جميع حلقاتها على ممثلين هواة أو مبتدئين لم يستطيعوا النهوض بتلك الشخصيات الدرامية أو تقديمها على نحوٍ مقنعٍ ومؤثر.
كما كان لهذه السلسلة أنْ تستفيد من خزين قصص وبطولات مقاتلي الحشد الشعبي في تأليف وإعداد وكتابة المزيد من هذه الحلقات التي قد تصل إلى ثلاثين حلقة ولأكثر من موسم درامي، لا أنْ تكتفي بالحلقات الست، وعلى مديرية الإعلام في هيئة الحشد الشعبي الاستمرار في هذا المشروع الفني والنهوض والارتقاء به الى مستويات فنية أكثر نضجاً وتأثيراً، خاصةً أنها أثبتتْ قدرتها وإمكانياتها على توفير جميع مستلزمات النجاح الفني من أدوات ومفردات الدعم اللوجستي – الفني من حيث مواقع التصوير المناسبة والممتازة ومجاميع بشرية وقوات وتجهيزات وآليات عسكرية وما رافق ذلك من تفجيرات ومؤثرات صورية وصوتية يتطلبها عادةً هذا النوع من الأعمال الحربية.