بدور العامري
اثبتت الدراسات العلمية أن للحدائق والنباتات المنزلية فوائد صحية كبيرة، كونها تعمل على تحسين الحالة المزاجية للإنسان وتقليل الشعور بالوحدة والاكتئاب والقلق، فضلا عن استثمار أوقات الفراغ مع وجود جائحة كورونا، ما شجع الاسر العراقية على الاهتمام بالمزروعات في المنزل، وإيجاد أجواء اسرية تتناسب مع الوضع الجديد.
متنفس للأسرة
"رب ضارة نافعة" بهذه العبارة ابتدأ محمد كاظم (53عاما) حديثه عن قيامه مع افراد اسرته بزراعة حديقة المنزل، والتي كانت عبارة عن ارض جرداء استخدمت لعدة سنوات كمخزن للمواد الاحتياطية الخاصة بسيارته، اذ قال "كانت حديقة منزلي عبارة عن مساحة 25مترا، مربعة الشكل هجرتها الخضرة منذ زمن بعيد، بسبب انشغالي بالوظيفة والعمل بالمحل مساء، لكن بعد ظهور جائحة كورونا وفرض حظر التجوال والبقاء في المنزل انتابنا شعور بالملل، مع وجود وقت فراغ كبير لابد من استثماره في شيء إيجابي"، وتابع كاظم حديثه "قمت بمساعدة زوجتي بتنظيف حديقتنا وإعادة تأهيلها بعد زراعتها بأنواع من الورد الجوري واشجار وشتلات ذات الوان جميلة تسر الناظرين، لتعود اليها الحياة من جديد، وبذلك أصبحت متنفساً حقيقياً للاسرة".
وهو القصد ذاته الذي تحدث عنه لؤي حمزة (40 عاما) الذي عمل على تهيئة حديقته المنزلية بزراعتها بالحشائش واشجار الزينة ذات الازهار الملونة، مستثمرا احدى زوايا الحديقة لتكون اشبه بمدينة العاب صغيرة لاطفاله الثلاثة زينب ورؤى واحمد، اذ قال "بعد أن أغلقت المولات ومدن الألعاب والاماكن الترفيهية في بغداد لم يجد أطفالنا مكانا للعب واللهو، فقمت بشراء عدد من الألعاب ذات الاحجام الصغيرة وتثبيتها داخل الحديقة مثل الارجوحة ولعبة الميزان، لتكون مكانا يتناسب مع الوضع الجديد مع وجود وباء كورونا، مطبقين طرق الوقاية بالبقاء في المنازل وعدم التواجد في التجمعات، مع تلبية حاجة الاسرة في قضاء وقت جميل في أجواء طبيعية وصحية".
انتعاش المشاتل
ان الاقبال الكبير على شراء الشتلات الزراعية والبذور اسهم في انتعاش عمل المشاتل، وشجع عددا من المواطنين على افتتاح مشاتل جديدة وبأحجام مختلفة، حتى اصبح وجود شاب او شخص كبير في العمر وامامه عدد من الشجيرات والسنادين للبيع منظراً مألوفاً في جميع الجزرات الوسطية والتقاطعات في مختلف مناطق بغداد تقريبا، الشاب منتظر (34 عاما) يعمل في احد مشاتل منطقة زيونة في بغداد، اكد زيادة الطلب على الشتلات والشجيرات بمختلف أنواعها واصنافها خلال وجود جائحة كورونا، عادا هذا التوجه والاقبال الكبير على المزروعات والاهتمام بالزراعة المنزلية انتعاشاً لعمل المشاتل، وهذا ما ظهر بشكل واضح بوجود عدد كبير من المشاتل الجديدة، إضافة الى تأهيل وإعادة العمل بالمشاتل القديمة ورفدها بانواع الشتلات والأشجار التي يحتاجها المواطن، فضلا عن انتعاش سوق المنتجات المكملة للعملية الزراعية مثل تجارة البذور والمبيدات الحشرية والاسمدة بانواعها العضوية والكيميائية.
أسطح المنازل
لم يمنع صغر مساحة المنزل وعدم وجود حديقة في البيت السيدة ام ليث (42 عاما) عن ممارسة هوايتها في الزراعة والاستفادة من وقت الفراغ اثناء الحجر المنزلي بعد إصابة افراد اسرتها بفيروس كورونا، اذ عملت على استثمار سطح المنزل وزراعته بعشرات السنادين المملوءة بشجيرات النبات المتسلق، لتشكل لوحة فنية من ورود الجهنمية بالوانها البيضاء والصفراء والبنفسجية، متدلية من اعلى شرفات سطح المنزل، فضلا عن زراعة الياسمين والرازقي العراقي، قائلة "ان سطح المنزل اصبح بمثابة مكان سياحي لنا نتجمع فيه مساء، باعتباره افضل مكان للراحة والاسترخاء مع شرب الشاي او العصائر".
وبينت ام ليث عزمها على تطوير السطح في الأيام المقبلة، ليكون مكانا لاستقبال الضيوف من الاهل والأصدقاء بعد اجراء بعض التعديلات عليه مثل تسقيفه ووضع مظلات جميلة، تقيهم من حر الصيف واشعة الشمس خلال النهار.
اكتفاء ذاتي
السيدة انعام عبد علي (42 عاما) تسكن منطقة اليوسفية جنوب بغداد تحدثت عن تحقيقها اكتفاء ذاتيا من الخضر وبعض الفواكه للسنة الثانية، وعدم حاجتها الى شراء تلك المنتجات من السوق، بعد ان قامت بزراعتها في ارضها المحيطة بالمنزل، اذ قالت: "قمت مع اولادي بزراعة مساحات كبيرة من الأرض الزراعية العائدة لي والقريبة من منزلي بعد ظهور فيروس كورونا وعدم خروجنا الى الأسواق لفترات طويلة، ففكرت في أن استثمر ارضي واوفر عددا من المحاصيل الزراعية الشتوية المتمثلة بالخس والخيار والبازلاء، اما في موسم الصيف فقمت بزراعة الطماطم والباذنجان والبطيخ، فضلا عن البصل والثوم وغيرها، ما جعلني اشعر بنوع من الراحة والاستقرار وعدم التخوف من نفاد مصدر الغذاء لي ولاسرتي والمقربين مني".
مبينة "لم اعد بحاجة للذهاب الى السوق باستثناء بعض الفواكـــــــــــــــــه التي لم تتوفر في حديقتي، وقمت بزراعة أشجار الحمضيات والعنب والتين والرمان، لكنها تحتاج الى فترة طويلة لتعطي الثمار، واتأمل أن احقق اكتفاء ذاتياً من هذه المنتجات خلال السنوات المقبلة ان شاء الله".
مبادرات
ليست الحدائق المنزلية وحدها من حظيت بالاهتمام خلال فترات الحظر الصحي، انما ظهرت عدة مبادرات وجدت لها صدى واسعاً بين أوساط الطلاب والشباب عموما، منها مبادرة كلية الزراعة والاهوار في جامعة ذي قار التي تهدف الى زراعة مليون شجرة في مداخل وحدائق الكليات والمؤسسات والأماكن العامة في المحافظة، ماجد المياحي احد طلبة الكلية تحدث عن هذه المبادرة قائلا: "باشراف من عميد كلية الزراعة والاهوار في جامعة ذي قار انطلقت قبل عدة أيام حملة لزراعة مليون شتلة من أشجار الزينة والأشجار المثمرة في مختلف كليات ومؤسسات المحافظة بهدف تحسين البيئة وإعادة الغطاء النباتي لتلك المؤسسات وحدائقها واضفاء جو من الراحة النفسية للطلبة والمراجعين في الوقت نفسه".
مبيناً "ان اولى خطوات المبادرة تمثلت بتشجير ساحة وحديقة مركز التطوير والتعليم المستمر في جامعة ذي قار".
وهناك عدد من المبادرات الاخرى بهذا الخصوص تمثلت بحملات إعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي، تبنتها مؤسسات المجتمع المدني وبعض المشاهير والشخصيات العامة في بعض الدول العربية والغربية، تدعو الى الاهتمام بالزراعة المنزلية والاستفادة من وقت الفراغ خلال فترات الحظر الصحي، وإجراءات القيود المفروضة على المواطنين لايجاد أماكن الترويح عن النفس داخل المنازل، فضلا عن توفير بعض المنتجات الغذائية من الخضر والفواكه، والمساهمة بجزء بسيط في حل ازمة شح الغذاء والمواد الأساسية التي برزت في فترة وجود جائحة كورونا.