المجمعات السكنيَّة.. بوابات أمل بكلف باهظة

ريبورتاج 2021/05/24
...

  فجر محمد 
لم تكن الشقق السكنية 
تستهوي العراقيين يوماً، فهم 
يفضلون المساحات الواسعة والبيوت
 العامرة بالحدائق، ولكن ازمة السكن وغلاء
 المعيشة والتغييرات الاقتصادية والاجتماعية
 ادخلت عليهم نمطاً جديداً وهو المجمعات السكنية، 
ومنهم ابو حسن الذي لم يكن ليقتنع يوماً بالعيش داخل
 شقة، لكونها تخلو من الحديقة كما قال...
 
وتابع: "لا يخفى على الجميع الارتفاع المخيف الذي حصل في اسعار العقارات، خصوصا في الآونة الاخيرة مع ارتفاع سعر صرف الدولار في الاسواق المحلية، ما جعل الحصول على منزل في منطقة مريحة امراً صعب المنال وحلماً يستحيل تحقيقه، لذلك اصبحت الشقة السكنية بديلاً متوفرا".
وهذا ما دفعه والكثيرين الى تفضيل الشقق السكنية واعتبارها الخيار الامثل، بسبب الخدمات التي تقدم في تلك المجمعات والصور الحضارية التي تنقلها عن مدينة بغداد نتيجة الاهتمام بها واعمارها بشكل متواصل.
 
قروض
عدد من المصارف اطلقت قروضاً للمواطنين، كي يتمكنوا من تسديد اقساط الشقق داخل المجمعات السكنية، ومنها المصرف العقاري، اذ اطلق قرضا بواقع 125 مليون دينار لشراء الوحدات السكنية في المجمعات الاستثمارية بحسب وسائل الاعلام، فضلا عن مصارف اخرى قدمت عروضا متنوعة ومنها الرافدين. 
 
بسماية
في الطابق السابع من احد مجمعات مدينة بسماية السكنية، كان كمال واسرته يتجولون في شقتهم الجديدة ويضعون الاغراض ويرتبونها بعد أن انتقلوا من سكن الاسرة المشترك الى مسكنهم الخاص، وتبدو علامات الفرح والسعادة بادية على وجوه اطفاله الثلاثة وهم يمرحون ويركضون في ارجاء شقتهم، ويعد كمال انتقاله الى هذا السكن انجازا يفخر به على الدوام.
 
إقبال شديد
تشير المصادر والتقارير الاعلامية الى انه في عام 2012 ابرمت الحكومة العراقية عقدا مع شركة هانوا الكورية، لبناء ما يقارب 100 الف وحدة سكنية تتسع لأكثر من 500 الف شخص، وما انجز 30 الف وحدة فقط، وبحسب خبراء الهندسة والبناء فان هذا المشروع لاقى رواجا كبيرا واقبالا منقطع النظير لتوفر الخدمات التي يحتاجها كل مواطن، لاسيما الكهرباء، ومما زاد من الاقبال على  بسماية  التسهيلات المالية من القروض والسلف المقدمة من مصارف متعددة في البلاد.
 
أزمة سكن
تعاني البلاد منذ مدة ليست بالقصيرة من ازمة سكن خانقة، ادت الى مشكلات متعددة، ما دفع الجهات المسؤولة الى محاولة وضع حلول لهذا الامر، وفي تصريح سابق لـ "الصباح" افادت به رئيسة الهيئة الوطنية للاستثمار سهى النجار ان رئيس الوزراء وجه ببيع  20الف وحدة سكنية في مشروع بسماية السكني بأسعار مدعومة وقروض ميسرة، وبحسب النجار فان مصرف الرافدين اعلن دعمه للمشروع ومن المتوقع أن يلحقه الرشيد و"TBI"، وبعد الاقبال الكبير الذي وصل الى 40 الف طلب للحصول على وحدات سكنية داخل بسماية، اوقفت الهيئة استقبال الطلبات في محاولة لتقنين عملية البيع.
وبحسب النجار فان انجاز المشاريع المهمة يحتاج الى تكاتف جهود ودعم واسناد، وهذا الامر ينطبق على المشاريع الاستثمارية، ومنها السكنية والصناعية والبنى التحتية التي تحتاج الى دعم القطاع المصرفي لها.
 
ضوابط
مستشار وزارة الاعمار والاسكان احمد اسماعيل بين انه من المفترض وضع ضوابط على عمل المستثمرين الذين يبنون في الوقت الحالي تلك المجمعات، ومنها تخفيض الكلف الاقتصادية لكي تتمكن الطبقة الفقيرة من الحصول على وحدة سكنية.
 واقترح اسماعيل وضع ضوابط على عمل المستثمر، فاذا لم يخضع للشروط المطلوبة منه، من المفترض أن تقوم الجهات الحكومية ببناء مجمعات تنافسية تخدم المواطنين جميعا، فتجبر المستثمر على تخفيض كلفه الباهظة، فضلا عن ادخال تقنيات بناء جديدة لتحقيق السرعة في انجاز تلك المشاريع الحيوية والمهمة.
 
خدمات متكاملة
يشير ذوو الاختصاص الى أن اللجوء للمجمعات السكنية جاء نتيجة لقلة بل واحيانا انعدام الخدمات من الماء والكهرباء والطرق المبلطة في العديد من مناطق ومحافظات العراق، ما دفع المواطنين الى اللجوء للمجمعات السكنية لما توفره من خدمات متكاملة، وتوضح احصائيات سابقة حاجة العراق لبناء ما يقارب 2 الى 3 ملايين وحدة سكنية، وبينت تقارير ان نسبة العشوائيات وصلت الى اكثر من 7 بالمئة من مجموع المساكن بالدمج، ويؤكد المراقبون أن تفعيل القطاع الخاص في مجال البناء سيعود بالفائدة على الطرفين.
 
الخبير بالشؤون الاقتصادية والصناعية باسم جميل انطوان اشار الى أن ازمة السكن بدأت بوادرها بالظهور منذ سقوط النظام، اذ جيرت المبالغ الطائلة التي رصدت للسكن آنذاك الى الحروب وغيرها من القضايا التي كان يقوم بها النظام السابق، ما فاقم من هذه الازمة، لاسيما مع وجود زيادة سكانية تصل احيانا الى 3 بالمئة سنويا، وهذا يفرض على الجهات المسؤولة توفير  200 الف وحدة سكنية لاستيعاب هذا النمو السكاني.
 
فئات معينة
ويرى مستشار وزارة الاعمار والاسكان المهندس احمد اسماعيل أن الفئات المقتدرة مادياً هي فقط التي تستطيع  الحصول على تلك الوحدات، اما المعوزون فغير قادرين على ذلك.
ويتفق معه بالرأي الباحث بالشؤون الاقتصادية والصناعية باسم جميل انطوان ويحث الجهات ذات العلاقة على التفكير بشكل جدي في توفير سكن لأكثر من 50 بالمئة من افراد المجتمع الذين تبين انهم لا يملكون سكنا خاصا بهم ولائقا في آن واحد، ووفقا للدراسات الخاصة بهذا المجال، فان هذه النسبة قابلة للزيادة في ظل التلكؤ الحاصل في توفير الوحدات السكنية مقابل الزيادة السكانية، اذ لا بد من توفير اكثر من 4 ملايين وحدة تكفيهم وتؤويهم .
ومن وجهة نظر الباحث باسم جميل انطوان فانه من الملاحظ ان البنى التحتية في البلاد متهالكة، ولم تخضع للادامة منذ فترات طويلة، خصوصا الماء والكهرباء والمدارس، حتى وصل الحال الى تشبيه مدينة بغداد على وجه الخصوص بالخارجة عن الخدمة، نظرا للاكتظاظ السكاني ونقص الخدمات في الوقت ذاته، فضلا عن زيادة التلوث بشكل كبير جدا في العاصمة.
 
حلول
ويرى انطوان أن استغلال اطراف بغداد والمساحات الشاسعة فيها ببناء وحدات سكنية بكلف مناسبة ومريحة لمختلف الفئات لا سيما المعوزون هو من افضل الحلول، ويقترح توفير طرق سريعة ومريحة لتنقلهم، وهذا بدوره سيسهم بشكل كبير في التقليل من الزحام الذي تعانيه بغداد منذ فترات طويلة، اذ وصل الامر الى القضاء على المتنزهات التي تعد متنفسا لابناء العاصمة وتحويلها الى مجمعات ومبانٍ مختلفة لاستيعاب الزيادة السكانية.
 
فريق وطني
في دول العالم المتحضرة لا تدار الازمات بشكل عشوائي، بل توضع دراسات وخطط من قبل فرق متخصصة، وهذا ما يقترحه الباحث انطوان الذي يفضل أن تدار ازمة السكن من قبل فريق وطني متخصص قادر على وضع الحلول والآليات المناسبة التي ستسهم بشكل مؤكد في حل ازمة السكن وتقنين بناء المجمعات الاستثمارية السكنية، فضلا عن قدرة تلك المشاريع على تشغيل اكبر عدد ممكن من الايدي العاملة من مهندسين وفنيي مختبرات وعمال بناء، وهذا بالتأكيد سيعمل على التقليل من نسب البطالة المخيفة التي بدأت تتصاعد بشكل ملحوظ.
 
مقترحات
يجد مستشار وزارة الاعمار والاسكان المهندس احمد اسماعيل ان مسؤولية بناء الوحدات السكنية تقع على عاتق الجهات الحكومية، ومن المفترض أن تصبح هي البديل الناجح عن تلك الاستثمارية التي اذا ما سعرت وحداتها المشيدة فهي قد تصل الى 180مليوناً للوحدة السكنية الواحدة ذات الـ 100متر، في حين لو توفر الدعم الحكومي وكل متعلقات البناء فمن الممكن تشييد الوحدة السكنية الواحدة بـ 45 مليونا، مع ضرورة وضع قاعدة بناء متكاملة من خرائط وتصاميم مناسبة ومتميزة.