قاسم موزان
عادة ما يطالعنا في الأسواق التجارية والمولات إعلان «عرض خاص» على بضاعة أو سلعة أو منتوج لتشجيع الزبون على شرائه بسعر مغر، وهي عملية جس نبض المستهلك على قبول المنتوج، خصوصا اذا كان السعر منخفضا لا يؤثر في دخله بشكل كبير، وهذا الاعلان الموجه جزء من سياسة تسويقية تستند الى دراسة نفسية اجتماعية لرغبات المستهلك في توجهه في تنمية غريزة الشراء لديه، وتبقى الشركة المنتجة للسلعة تراقب عن كثب اقبال الشراء من عدمه، وهي بطبيعة الحال غير ضارة.
لكن اسلوب العرض في الترويج استثمرته بعض المقاهي والكافيهات بشكل يثير الاستغراب، خصوصا الكافيهات المنزوية في احياء شعبية تندرج تحت عنوان الاكثر فقرا واغلب سكانها من الشباب والمراهقين تدعوهم الى تدخين النارجيلة بأسعار تتراوح بين 3 - 5 آلاف دينار، وهي دعوة غير بريئة لاستقطاب المراهقين لاستنشاق الدخان بقوة، ومن ثم رميه خارجا بثمن يثقل قدرته المالية، اذا ما علمنا أن اكثر هؤلاء اليافعين عاطلون العمل، وتعاني أسرهم من الفاقة، فمن اين يأتي المراهق بهذا المبلغ وكيف يحصل عليه؟
ظروف الحظر الشديد قد كشفت عن حالات عوز الأسر بشكل صريح ولا تسطيع توفير الحد الادنى من المعيشة المتواضعة، فكيف توفر لمراهقها او مراهقيها تلك المبالغ، لاشك ان البيئة الاجتماعية المنغلقة تسهم في تبادل التأثير والتأثر وعادة ما ينحشر المراهقون في بؤر ضيقة تشبه الحانات المتهالكة لتدخين النارجيلة بانتشاء صبياني، من دون الاخذ بنظر الاعتبار لانتقال عدوى لجائحة كورونا والالتزام بالشروط الصحية.
وهذا نزق اخر ينبغي الانتباه اليه، ولا يستبعد ايضا وضع المواد المخدرة، فيها التي باتت جزءا سلبيا مكملا لشخصية المراهق، كل ذلك في عتمة اجواء خانقة تزيد من تفشي الجائحة بينهم، ثم انتشارها الى المحيط المجتمعي.
لا بدَّ من التذكير بأنه في مرحلة نمو المراهق يسعى الى «التمركز حول ذاته» واستجداء انظار المقربين منه برفع وتائر صوته بصورة لافتة، لتأكيد حضوره او سطوته في محيطه والخشية من سطوته، اذا امتلك جسما يرعب به الضعفاء من حوله، او انه يسعى الى تقمص شخصية الكبير وتقليده، ومن ثم يتمرد عليها ليؤسس لنفسه شخصية اخرى تتسم بالسلبية المطلقة ولا تعنيه النصائح في ما بعد، اذا ما اهتزت منظومته الاخلاقية بسوء تصرفاته مع الاخرين الذين يبتعدون عنه ونعته بأقذع الاوصاف، ما يزيد من نقمته على وسطه
البيئي.
هذه الظاهرة واتساع رقعتها على نحو مقلق يحيلانهما الى دراسة سايكولوجية المراهق واضطرابه السايكولوجي، عبر انتقاله من الطفولة الى النضوج الاولي، وذلك من قبل علماء النفس والاجتماع لتفكيك الحالة للوقوف على اسباب ومسببات
المشكلة.
وليس الاكتفاء بانتقاد الظاهرة وابداء الأسى الى ما وصل اليه المراهق في ظروف فشل التعليم والبطالة، من دون وضع حلول ناجعة تسهم في المعالجة قبل الضياع المؤجل، وهذه خسارات ليس من السهولة تعويضها في المديات القريبة، ولعل واحدا من الحلول أن تدعو منظمات المجتمع المدني عبر قنوات تواصلها الاجتماعية المراهقين والشباب الى حملات العمل التطوعي، الذي يسهم الى حد ما بمنع انزلاق الشباب اليافع الى المجهول.