طيبةٌ ناضحةٌ من جدران مهترئة الصدريَّة.. حاضرٌ ما زال لصيق الماضي

ثقافة شعبية 2021/05/30
...

 بغداد: محمد اسماعيل
مشياً على الأقدام من النهضة الى الشورجة، ينتظرني زميلي المصور خضير العتابي، عند مطلع الصدرية؛ لنبدأ جولة في رحاب حاضرها الذي ما زال لصيق الماضي، وهو يتطلع للمستقبل، من حيث التقاليد الاجتماعية والعمران المهترئ.
سوق مكتظة، نبا منها مزاح شابين: "إذا ماكو ألخمك براشدي أدير فجك" أي أصفعك كاسرا فكك، وسط اكتظاظ الشارع ببسطات الفواكه والخضر والدجاج الحي ورؤوس الاغنام المذبوحة والحلويات والزجاجيات، المرصوفة بمحال القيمر والجبن والعسل.. التي أفطرنا فيها، مواصلين تأمل المقاهي والمطاعم والاغراض المنزلية والاقمشة، وعيون الناس المتسائلة ببراءة، تزاحم عربات الدفع اليدوية، من دون أن تصطدم بغابة السيقان المتحركة بلا هوادة.
محال بيع الدراجات الهوائية، تنتصب فوقها عمارات قديمة، جددت بالكوناتها بملامح غير مكتملة الحداثة.. نفذنا في زقاق يشكل فرعا خاصا باللحوم والاسماك، نسأل حميد فراس، عن أصل الأهالي؟ فأجاب: "النسبة الكبرى، كرد فيلية، بينهم قلة من عرب وصابئة أقل".
تبدأ الصدرية، من شارع الهادي، الفاصل بينها والنهضة، تحيطها المربعة والسنك، لتنتهي بساحة الوثبة، التي تحادد بينها وشارع الرشيد.
دلفنا فرعا نصف قوسي، ينتهي بمحل لبيع الخضراوات، وقفت أمامه أم خطاب "تستنكي" كرفس ورشاد وفجل، قائلة: "تتميز الصدرية بطيبة أهلها، والتكافل الاجتماعي، في الافراح والاتراح".
يافعة سبتني بعينين زرقاوين، أسبلتهما قائلة: "هلو" مبتسمة، ومضت تاركة الكاميرا تتلظى من دون أن تفلح بالتقاط صورة لها، مثل حلم بددته رياح الصحو على جفنين ناعسين.
صاحب محل كهربائيات، قال لـ "الصباح" بأنه يحب تعامل أهل الصدرية، مع الدنيا، التي كلما ضاقت به فرجوا عنه الكرب: "الدنيا ضوجة، بس وجودي بينهم يخفف عني سخط الخدمات والامن المفقودين.
زحفت الحداثة.. خيرا.. على المنطقة، من خلال "السوبرماركات" التي توسطت المحال التراثية، يقابلها سيف علي راشد.. بائع باجة نيئة و"فراسم - كرعان" قال: "في الخمسينيات كانت تراب ذاري، بدأت الحياة تدب فيها خلال الستينيات، بدءا بحمامين.. نسائي ورجالي، شكلا نواة لبيوت اكتملت تشييدها، وبلغت قمة ازدهارها في السبعينيات، نموا حضاريا نغبط عليه.. هبط بعد 2003 الى حضيض المجاري الطافحة والغرق بقطرتي مطر تهطلان شتاء، والكهرباء المقطوعة والازبال المتكدسة و.. حسبنا الله ونعم الوكيل".
العربات تتخاطر بيسر، كالسكين في الزبد، من دون أن تحتك بما حولها، في الزحام، قال حمودي قاسم، متكئاً الى عربته التي جلس فيها: "شغلنا تعبان والناس جوعانه ما عدها فلوس.. لا راتب ولا شغل ولا أمان.. بطالة وموت" أيده زميلاه حيدر الزين وسجاد علي.
وقف بلال فاضل حذو أقفاص دجاج، طرية القوقأة، قائلا: "برز من أهالي الصدرية رياضيون وأطباء وفنانون وأساتذة جامعات ومهندسون وادباء، أكسبوا البلد مفاخر مهمة، مثلما ما زالت تمد العراق بالأيدي العاملة وقوات الحشد الشعبي والجيش والشرطة".
الأعمدة الرصيف، نسخة طبق الاصل، من شارع الرشيد، ترفع بناءً قديما أضيفت له بالكونات اسمنتية، ذات أسيجة من الحديد، بدل الشناشيل الخشبية، التي كانت مغروسة في جص "اللِبِن الفرشي".