• الإنسان ليس فرداً، هو كائن اجتماعي، وفرديته عين مجتمعيته، فالمجتمع جوهر ومظهر الفرد، ولا إنسان دونما جماعة ومجتمع، وسر تطور الإنسان بتطور اجتماعيته ومجتمعيته. إنَّ تطور الإنسان إلى جماعة والجماعة إلى مجتمع جاء بسبب الحاجة، فالإنسان كائن محتاج أبدا، والحاجة سر حركة التاريخ. وباتساع وتعقيد الحاجات المتنوعة المتنامية المتبادلة تطور المجتمع فنشأ الخلاف الذي أوجب السلطة لإدارته وتقنينه، فالسلطة أداة ضبط.
• الإنسان الاجتماعي بالطبيعة تنتظم حاجاته المتنوعة بالقيم، وتنضبط القيم بالسلطة، وتنضبط السلطة بالقانون، وينضبط القانون بالقوة، وتنضبط القوة بالشرعية، وتنضبط الشرعية بالتفويض، وينضبط التفويض برضا الناس، ورضا الناس يقوم على العدل والتكافؤ والمصالح المتبادلة، ويتحقق العدل والتكافؤ والمصالح بالحكم الصالح، وجوهر الحكم الصالح تحققه الدولة،.. فالدولة أعلى أشكال السلطة الشرعية القيمية القانونية المهيمنة المُلزِمِة لتنظيم وتأمين حاجات الإنسان المتنوعة من خلال الحكم الصالح، وإلاّ فشل الإنسان/المجتمع وعاد إلى فوضى الغابة.
• خروج الإنسان (المجتمعي) من فوضى علاقات الغاب إلى علاقات السلطة هو خروج ضرورة تطوّر بتطور الحاجات، فحاجته إلى السلطة دائمة لتنظيم الحاجات، وبتطور الحاجات وضرورات تنظيمها واتساقها وتكاملها تكاملت السلطة لتصل إلى مرحلة الدولة، فالدولة الحديثة كأسس ومعايير ومنظومات وآليات هي خلاصة تطور علاقات السلطة في المجتمع لهدف تأمين وتنظيم وتكامل الحاجات.
• حاجات الإنسان/المجتمع بالدولة ثلاث، هي: الاعتراف والحماية والخدمات، وأنشطة الدولة كافة ما هي إلاّ أوجه لتحقيق وتنظيم هذه الضرورات الأساس،ومبرر وجود الدولة وبقائها مرتبط بهذه الضرورات حضوراً واستحقاقاً. الاعتراف به على أساس عضويته القانونية السياسية بالدولة، والحماية لوجوده وحقوقه، وتأمين الخدمات كبنى أساسية لحاجاته وتطوّرها،.. وبذلك يتحوّل إلى إنسان دولة.
• إنسان الدولة على مستوى الاعتراف هو إنسان المواطنة تام الحقوق والواجبات، والذي استعاض بالمواطنة كأساس لعضويته في مؤسسة الدولة بدل الروابط العرقية الطائفية القبلية المناطقية. وهو الإنسان الذي فوّض الدولة بشرعية الحكم لتحقيق النظام من خلال احتكار القوة لفرض الأمن والاستقرار بدل أن يستخدمها الفرد أو الجماعة، وأناط بالدولة توفير الخدمات الأساس نتيجة اتساعها وتعقيدها. وبذلك تكون الدولة كياناً شرعياً قانونياً مؤسساتياً يمثّل الأمّة هدفه تنظيم اعتراف وحماية وعيش وتطوّر الإنسان/المجتمع، ودونما دولة يكون الإنسان/المجتمع أسير علاقات السلطة بتعابيرها البدائية القائمة على الغَلبة والاحتيال والخوف، فإنسان الدولة غير إنسان السلطة.
• إنسان الدولة سيد وآمن ومخدوم،فهو الدولة،.. وإنسان السلطة عبد وخائف وخادم،فهو القطيع،.. إنسان الدولة وحدة إنسانية سيادية تامّة الحقوق والواجبات لا تعرف الخلل أو الدونية، فيعيش الانتماء والولاء والخدمة بمؤسسة تعترف به وتحميه وتسهر على راحته ليبادلها الاعتراف والحماية والولاء،.. وإنسان السلطة وحدة استضعاف سياسي وثقافي وأمني وخدمي، فيعيش العبودية والدونية والمنِّة، ليقابلها بالرفض والانكفاء والسلبية.
• الفارق بين إنسان الدولة وإنسان السلطة يتلخص بثلاثي الاعتراف والحماية والخدمات،.. ومهمتنا كعراقيين كسب معركة إنسان الدولة بروح الالتزام والتضامن المشترك لإنتاج دولة تليق بنا ونليق لها، فنستشعر بها إنسانيتنا ونتحسس مواطنيتنا وننعم بخيراتنا ونكون أسياداً،.. وهي مهمة تتطلب منّا الهمّة والإلتزام والمبادرات، وتتطلب أيضاً تكاتفاً مجتمعياً حكومياً مستمراً وخلاقاً لا يعرف العدمية أو السلبية أو النكوص.