نهى الصراف
تطالعنا كثيراً تقارير في صحف أو مجلات أو مقاطع فيديو في وسائل التواصل الاجتماعي تشيد بتجربة إنسانية معينة، بدأ صاحبها أو صاحبتها من الصفر وأحياناً تحت الصفر لتطوير عمل صغير أو مهارة بسيطة مع عدم إغفال التفاصيل المنهكة وكمية الصبر وسنوات الانتظار الصعبة، حتى تتحول البداية المتواضعة إلى مشروع العمر يكبر المشروع ليتحول صاحبه إلى مليونير، على أقل تقدير، تماماً مثل حكايات السينما. ثم تطالعنا كلمات قليلة يختتم بها مرّوج التقرير التجربة التي قدمها المليونير صاحب المشروع، وهو يستجوب المشاهد: «وأنت هل تستطيع أن تفعل ذلك؟ الأمر بسيط للغاية. فقط لا تجعل اليأس يسيطر عليك بعد أول فشل».
ترى، هل يتوجب على جميع الناس أنْ يمروا بمراحل هذه التجربة كي يتحصلوا على المليون الأول في حياتهم، وإذا ما توصل عددٌ كبيرٌ من الناس إلى هذه النتيجة فما هي الجدوى إذنْ من الفروق الفرديَّة التي تحدث عنها علماء النفس؛ فروق في المهارات والإمكانات ومستوى الذكاء والاستعداد النفسي، القدرة على التعلم وطريقة حل المشكلات، فضلاً عن الخصائص الجسمية والمزاجية. بعد كل هذا، هل ستنجح جميع الشخصيات بالطريقة ذاتها وهل أنَّ المليون هو الطموح النهائي لجميع الناس؟.
لا يولد جميع البشر بمواهب متشابهة كما لا تنمو رغباتهم في الحياة بالطريقة ذاتها؛ بعض الناس يبدعون في العلوم، بعضهم يتربى على ملكة التعامل مع الأرقام والتجارة والربح والخسارة، القلّة القليلة يتحصلون على موهبة أدبيَّة والكثير من الناس لا يجدون ما يغريهم في طموح معين، فيمضون على درب الحياة مستطرقين لا يتركون أثراً ولا يهمهم أنْ يفعلوا ذلك، وكأنهم يقولون لأنفسهم «هذه عيشة والسلام»!
هناك أيضاً الصدفة التي تأتي مرة واحدة في العمر ويمكنها أنْ تغير خط المصير الإنساني بصورة كاملة، الصدفة المقرونة بالموهبة وهو شرط مهم.
قرأت مرة، في سيرة إحدى الروائيات، بأنها كانت تعاني من مطاردة الأفكار لها في كل مكان!
عندما تخرج من المنزل وتدخل سيارتها من الباب الجانبي، تأتي فكرة طرية لتدخل من الباب الثاني، وطوال رحلتها من منزلها في الصباح وحتى عودتها في المساء فإنَّ الفكرة هذه تتضخم وتصبح بحجم بالون كبير. وحين تجلس إلى طاولة الطعام فإنَّ الأفكار تبدأ بالدوران حول المقاعد، تؤجل تدوينها وتقرر أن تلاعب صغيرها لكنها تقرأ بعض السطور الأوليَّة على جبينه، كلما هربت إلى المطبخ وبدأت بتقطيع الخضراوات خرجت عليها بنات أفكارها ليزعجنها ويشددن خصلات شعرها، فإذا ما حاولت الانسياب بخفة إلى سريرها لتدخل مملكة النوم تبعنها مثل أطفال جياع تأخرت الأم في تقديم الطعام لهم وهكذا، حتى يسرقها الوقت فلا تجد الوقت لتدوين أفكارها فتضيع عليها فرصة أخرى، ربما فرصة بمليون جنيه. ثم يأتي أحدهم ويقرر أنْ يقتبس من كاتب أو كاتبة أخرى، بفعل السرقة الأدبيَّة، بينما رأسه فارغة تماماً من أي فكرة تستحق التدوين، ورغم ذلك يجهد نفسه وضميره للاستمرار في فعل الكتابة، للحصول على فرصة المليون، من دون جدوى.
فمن سيربح المليون، الشخص الموهوب أم الشخص الموهوم؟.